من تأخير. وأجاب ابن الخطيب (١) فقال هاهنا غرضان :
أحدهما : حصول الإشهاد وهذا لا يتأتّى إلّا بتذكير إحدى المرأتين.
والثاني : بيان تفضيل الرّجل على المرأة حتّى يبين أنّ إقامة المرأتين مقام الرّجل الواحد هو العدل في القضيّة ، وذلك لا يتأتى إلّا بضلال إحدى المرأتين (٢) ، وإذا كان كلّ واحد من هذين أعني الإشهاد ، وبيان فضل الرّجل على المرأة مقصود ، فلا سبيل إلى ذلك إلّا بإضلال أحدهما وتذكر الأخرى ، لا جرم صار هذان الأمران مطلوبين.
فصل
لمّا كان النّسيان غالبا على طباع النّساء لكثرة البرد والرّطوبة في أمزجتهنّ ؛ أقيمت المرأتان مقام الرّجل الواحد ؛ لأن اجتماع المرأتين على النّسيان أبعد في العقل من صدور النّسيان عن المرأة الواحدة ؛ لأنّ إحداهما إذا نسيت ؛ ذكّرتها الأخرى ، والمراد بالضّلال هنا النّسيان قال أبو عبيدة : الضلال عن الشّهادة إنّما هو نسيانها.
قوله : «فتذكّر» وقرأ ابن كثير (٣) وأبو عمرو : «فتذكر» بتخفيف الكاف ، ونصب الرّاء من أذكرته أي : جعلته ذاكرا للشّيء بعد نسيانه ، فإنّ المراد بالضّلال هنا النسيان كقوله تعالى: (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠] وقال في ذلك الفرزدق : [الكامل]
١٢٨٤ ـ ولقد ضللت أباك يدعو دارما |
|
كضلال ملتمس طريق وبار (٤) |
فالهمزة في «أذكرته» للنقل والتّعدية ، والفعل قبلها متعدّ لواحد ؛ فلا بدّ من آخر ، وليس في الآية مفعول واحد ، فلا بدّ من اعتقاد حذف الثّاني ، والتقدير فتذكر إحداهما الأخرى الشّهادة بعد نسيانها إن نسيتها هذا مشهور قول المفسّرين.
وقد شذّ بعضهم قال : معنى فتذكر إحداهما الأخرى أي : فتجعلها ذكرا ، أي : تصيّر حكمها حكم الذّكر في قبول الشّهادة وروى الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء قال : «فتذكّر إحداهما الأخرى بالتّشديد فهو من طريق التّذكير بعد النّسيان ، تقول لها : هل تذكرين إذ شهدنا كذا يوم كذا في مكان كذا على فلان ، أو فلانة ، ومن قرأ «فتذكر» بالتّخفيف فقال : إذا شهدت المرأة ، ثم جاءت الأخرى ؛ فشهدت معها ، فقد أذكرتها لقيامها مقام ذكر» ولم يرتض المفسّرون وأهل اللّسان هذا من أبي عمرو ، بل لم يصحّحوا رواية ذلك عنه لمعرفتهم بمكانته في العلم ، وردّوه على قائله من وجوه :
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٩٩.
(٢) في ب : الروايتين.
(٣) انظر : السبعة ١٩٤ ، والحجة ٢ / ٤١٩ ، والعنوان ٧٦ ، وحجة القراءات ١٤٩ ـ ١٥١ ، وإتحاف ١ / ٤٥٩ ، وإعراب القراءات ١٠٤ ، وشرح شعلة ٣٠٥ ، وشرح طيبة النشر ٤ / ١٣٥.
(٤) ينظر : ديوانه ٢ / ٤٥٠ ، الدر المصون ١ / ٦٧٨.