وقرأ عيسى (١) بن عمر والجحدريّ : «تضلّ» مبنيّا للمفعول ، وعن الجحدريّ أيضا (٢) : «تضلّ» بضمّ التّاء ، وكسر الضّاد من أضلّ كذا ، أي : أضاعه ، فالمفعول محذوف أي : تضلّ الشّهادة. وقرأ حميد بن عبد الرحمن ومجاهد : «فتذكر» برفع الرّاء ، وتخفيف الكاف ، وزيد بن أسلم «فتذاكر» من المذاكرة.
وقوله : إحداهما» فاعل ، «والأخرى» مفعول ، وهذا ممّا يجب تقديم الفاعل فيه لخفاء الإعراب ، والمعنى نحو : ضرب موسى عيسى.
قال أبو البقاء (٣) : ف «إحداهما» فاعل ، و «الأخرى» مفعول ، ويصحّ العكس ، إلا أنه يمتنع على ظاهر قول النّحويّين في الإعراب ، لأنّه إذا لم يظهر الإعراب في الفاعل والمفعول ، وجب تقديم الفاعل فيما يخاف فيه اللّبس ، فعلى هذا إذا أمن اللّبس جاز تقديم المفعول كقولك : «كسر العصا موسى» ، وهذه الآية من هذا القبيل ، لأنّ النّسيان ، والإذكار لا يتعيّن في واحدة منهما ، بل ذلك على الإبهام ، وقد علم بقوله «فتذكّر» أنّ الّتي تذكّر هي الذّاكرة ، والتي تذكّر هي النّاسية ، كما علم من لفظ «كسر» من يصحّ منه الكسر ، فعلى هذا يجوز أن يجعل «إحداهما» فاعلا ، و «الأخرى» مفعولا وبالعكس انتهى. ولمّا أبهم الفاعل في قوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) أبهم أيضا في قوله : (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا) ؛ لأنّ كلّا من المرأتين يجوز [عليها ما يجوز] على صاحبتها من الإضلال ، والإذكار ، والمعنى : إن ضلّت هذه أذكرتها هذه ، فدخل الكلام معنى العموم.
قال أبو البقاء (٤) : فإن قيل : لم لم يقل : «فتذكّرها الأخرى»؟ قيل فيه وجهان :
أحدهما : أنّه أعاد الظّاهر ، ليدلّ على الإبهام في الذّكر والنّسيان ، ولو أضمر لتعيّن عوده على المذكور.
والثاني : أنه وضع الظّاهر موضع المضمر ، تقديره : «فتذكّرها» وهذا يدلّ على أن «إحداهما» الثانية مفعول مقدم ، ولا يجوز أن يكون فاعلا في هذا الوجه ؛ لأنّ المضمر هو المظهر بعينه ، والمظهر الأول فاعل «تضلّ» ، فلو جعل الضّمير لذلك المظهر ؛ لكانت النّاسية حقا هي المذكّرة ، وهو محال قال شهاب الدين ـ رحمهالله تعالى ـ : وقد يتبادر إلى الذهن أنّ الوجهين راجعان لوجه واحد قبل التأمّل ؛ لأنّ قوله : «أعاد الظّاهر» قريب من قوله : «وضع الظاهر موضع المضمر».
و «إحدى» تأنيث «الواحد» قال الفارسيّ : أنّثوه على غيره بنائه ، وفي هذا نظر ، بل
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٨٢ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٦٥ ، والدر المصون ١ / ٦٧٩.
(٢) انظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٩.
(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٢٠.