ويمنعهما من مهمّاتها ، وإذا كان خطابا للذين يقدمون على المداينة ، فالمنهيّون عن الضّرار هم ، وهذا قول ابن عباس وعطاء ومجاهد وابن مسعود. ونقل الداني أيضا عن ابن عمر وابن عباس ومجاهد أنهم قرءوا (١) الراء الأولى بالفتح. فالآية عندهم محتملة للوجهين ففسروا وقرءوا بهذا المعنى تارة وبالآخر أخرى.
وقرأ (٢) أبو جعفر ، وعمرو بن عبيد : «ولا يضارّ» بتشديد الرّاء ساكنة وصلا ، وفيها ضعف من حيث الجمع بين ثلاث سواكن ، لكنّه لمّا كانت الألف حرف مدّ ؛ قام مدّها مقام حركة ، والتقاء السّاكنين مغتفر في الوقف ، ثم أجري الوصل مجرى الوقف في ذلك.
وقرأ عكرمة (٣) : «ولا يضارر كاتبا ولا شهيدا» بالفكّ ، وكسر الراء الأولى ، والفاعل ضمير صاحب الحق ، ونصب «كاتبا» ، و «شهيدا» على المفعول به ، أي : لا يضارر صاحب حقّ كاتبا ولا شهيدا بأن يجبره ويبرمه بالكتابة والشهادة ؛ أو بأن يحمله على ما لا يجوز.
وقرأ (٤) ابن محيصن : «ولا يضارّ» برفع الرّاء ، وهو نفي فيكون الخبر بمعنى النهي كقوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) [البقرة : ١٩٧].
وقرأ عكرمة في رواية مقسم : «ولا يضارّ» بكسر الرّاء مشدّدة على أصل التقاء الساكنين. وقد تقدّم تحقيق هذه عند قوله : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) [البقرة : ٢٣٣].
قوله : (وَإِنْ تَفْعَلُوا) ، أي : تفعلوا شيئا ممّا نهى الله عنه ، فحذف المفعول به للعلم به. والضّمير في «فإنّه» يعود على الامتناع ، أو الإضرار. و «بكم» متعلّق بمحذوف ، فقدّره أبو البقاء (٥) : «لاحق بكم» ، وينبغي أن يقدّر كونا مطلقا ؛ لأنه صفة ل «فسوق» ، أي : فسوق مستقرّ بكم ، أي : ملتبس بكم ولا حق بكم.
قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) ، يعني : فيما حذّر منه هاهنا ، وهو المضارة ، أو يكون عاما ، أي : اتّقوا الله في جميع أوامره ، ونواهيه.
قوله : (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) يجوز في هذه الجملة الاستئناف ـ وهو الظّاهر ـ ويجوز أن تكون حالا من الفاعل في «اتّقوا» قال أبو البقاء (٦) : «تقديره : واتقوا الله مضمونا لكم
__________________
(١) انظر : السابق.
(٢) انظر : السابق.
(٣) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٨٥ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٧٠ ، والدر المصون ١ / ٦٨٤.
(٤) السابق ، وإتحاف فضلاء البشر ١ / ٤٦٠ ، وقال ابن مجاهد : ولا أدري ما هذه القراءة. انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٨٥.
(٥) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٢١.
(٦) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٢١.