قلت : قوله تعالى ( وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) يأبى عن هذه النكتة ، كما لا يخفى على الفطن. مع أنّ هذه النكتة فرع نجاستهم ، إلاّ أن يكون المراد النجاسات العارضيّة مثل البول ، فعلى هذا يمكن اعتبار هذه النكتة على تقدير الاختصاص بالحبوب أيضا ، إذ لا يؤمن ملاقاتها مع الرطوبة المنجّسة. وبالجملة : النكتة ليس إظهار عدم النجاسة وعدم المنع من جهة توهم النجاسة ، لإباء قوله تعالى ( وَطَعامُكُمْ ) عنه.
على أنّ النكتة لعلّها شيء آخر ، على طريقة ما يقولون في منع حجّية مفهوم الوصف.
على أنّ النكتة يمكن أن تكون إظهار دخول طعامهم في الطيّبات وإن كان يابسا ، لأنّ معنى الطيّب ليس بديهيا ، ألا ترى أنّه تعالى قال ( لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )؟ لو قال مثل ذلك في طعامهم وطعامنا لكان يظهر أنّ حكاية الطعام حكاية المزاوجة من دون غرابة. لكن لمّا لم يقل هذا وظهر لدينا الآن عدم الحرمة نستغرب ونتعجّب من توهّم الحرمة ، وإلاّ فحكاية الطعام وحكاية المزاوجة لا يوجد فرق بينهما إلاّ من جهة الشرع ، فلا مانع من أن يكون سبحانه أظهر أنّ الطعام ليس مثل المزاوجة ، لا أنّه أظهر طهارتهم ، إذ قد عرفت فساده.
ووجه التخصيص ، لأنّ أهل المدينة كانوا أهل الكتاب ، أو غير ذلك من الوجوه التي تعتبر في مقام منع حجّية مفهوم الوصف.
وأيضا يمكن أن يكون الفائدة استثناء هذا المعنى من بين الموادّة المنهي عنها على وجه العموم ، بأنّه وإن استلزم الموادّة في الجملة إلاّ أنّه لا مانع منه ، لاحتمال حصول الإلف والإنس المؤدّي إلى الإسلام.
ويمكن أن يكون المراد إظهار أنّ أكلكم من طعامهم وأكلهم من