وإذ قد عرفت ما ذكرنا ، فاعلم أنّ السيّد المذكور (١) قد سلك في تقريب الاستدلال
__________________
(١) شرح الوافية ( مخطوط ) : ٩٩ / ب ـ ١٠٠ / ب ، وبما أنّ الكتاب بعد مخطوط نذكر نصّ عبارته تتميما للفائدة ، قال : أقول : الموصوف بالذات للحكم الشرعي من الحلّ والحرمة هو بعض الأفعال الاختيارية التي ليس ممّا يضطرّ الإنسان إليه في بقائه ، وقد يوصف بعض الأعيان بالحلّ والحرمة والمراد حلّ الفعل المتعلّق به ( في هامش النسخة : فهذا وصف بحال المتعلّق ) وحرمته ، ولمّا كان هذا لبعض مشتملا على سب [ كذا ] حلّ الفعل أو حرمته يقال له الحلال أو الحرام فالحيوان والنبات والجماد كلّها إذا كان متعلّقا لفعل الإنسان يكون من الأمور التي فيه الحلال والحرام ، وأمّا ما ليس متعلّقا لفعله ، فليس كذلك وقد يكون نفس بعض الفعل أو الترك متّصفا بالحكم الشرعي من غير مدخلية متعلّقه مثلا ، يقال للآكل على التخمة : إنّه حرام ولا يلاحظ فيه حا [ ل ] المأكول فربما كان حلالا ، وللآكل مع الرغبة وصحّة البدن : إنّه حلال من غير ملاحظة حال المتعلّق ، وربما كان واجبا عند توقّف قيام البدن عليه مع حرمة المأكول كأكل الميتة للمضطرّ.
ثمّ إنّ بعضا من هذا البعض من الأفعال إن لم يرد لحكمه نصّ لا بلفظ خاصّ ولا عامّ ، علم كونه فردا له يصدق عليه أنّه من جملة الأشياء التي تنقسم إلى الحلال والحرام سواء كان متعلّقه مندرجا تحت جنس له نوعان أو نوع له صنفان ، وعلم من النصّ حلّية أحد النوعين أو الصنفين وحرمة الآخر أم لا ، فالأوّل كأكل اللحم المشترى من سوق المسلمين مثلا ، والثاني كاستعمال الحشيشة التي اشتهرت في هذه الأزمنة مثلا لأنّ الشارع جعل أكل اللحم المذكّى حلالا ، وجعل أكل الميتة حراما ، وليس لنا نصّ في حكم اللحم الذي اشتريناه وهو يحتمل أن يكون فردا من الصنف المذكّى كما يحتمل أن يكون من الصنف الآخر ، وأمّا الحشيشة فلم نظفر بنصّ يدلّ على الحلّ والحرمة في نوعين أو صنفين يحتمل كونها فردا لواحد منهما حتّى ينقسم استعمالها من جهة متعلّقه إلى الحلال والحرام ولا ريب في أنّه يصدق على كلّ من القسمين أنّه شيء فيه حلال وحرام عندنا بمعنى أنّه يجوز لنا أن نجعله مقسما للحكمين فنقول : هذا الشيء إمّا حلال ، وإمّا حرام وأنّه من جملة الأفعال التي يكون بعض أنواعها وأصنافها حلالا وبعضها حراما ، واشترك القسمان أيضا في أنّ الحكم الشرعي المتعلّق بهما غير معلوم ، ويفترقان في أنّ الأوّل حكم متعلّقيه معلوم بخلاف الثاني ، فلو سألنا عن هذا اللحم المشترى المردّد بين الميتة والمذكّى : أهو حلال أو حرام؟ لقلنا لا نصّ فيه ولا نعلم حكمه بخصوصه ، ولكنّه إن كان من المذكّى فحلال ، وإن كان ميتة فحرام بالنصّ الوارد فيهما.