بالصحيحة المذكورة المسلك الأخير.
ولا يكاد يخفى فساده أمّا أوّلا ، فلأنّ حمل الظرفية على هذه الظرفية التي لا يكاد يوجد استعمال كلمة « في » فيها من غير ضرورة داعية إليه تعسّف بارد ، وتكلّف فاسد ، فصدر الرواية ممّا لا يقبل هذا التأويل ، وأمّا ثانيا ، فقوله (١) عليهالسلام في ذيل الخبر : « حتّى تعرف الحرام منه بعينه » لا يصلح أن يكون غاية لما قبله بل المناسب حينئذ (٢) أن يقول : حتّى تعلم أنّه حرام ، فإنّ ورود النهي بالنسبة إلى شيء خاصّ لا يؤثّر في تحريم غيره ، ومعرفة الحرام بعينه لا يجدي في حلّية مشتبه كما لا يخفى.
وتوضيح ذلك أنّ مقتضى كون الحكم مغيّا بغاية هو تبيّن حكمه بعد وصول الغاية لا ظهور حكم فرد منه ، فالحكم في حلّية شرب التتن مغيّا إلى معلومية حكمه بنفسه لا إلى معرفة الفرد المحرّم منه بعينه ، وذلك ظاهر في الغاية ، فلا وجه لحمل الرواية على هذا المعنى الآبي منه صدرها وذيلها.
وأمّا الوجه الأوّل ، فلا يذهب وهم إلى جواز حمل الرواية عليه فإنّ المتبادر من لفظ « الشيء » الواقع فيها هو كون الشيء واحدا وحدة حقيقية لا وحدة اعتبارية كما في الشبهة المحصورة ولا جعلية كما في انضمام العنوان المعلوم حكمه إلى ما ليس كذلك.
نعم ، ينطبق الحديث فيما إذا كان للشيء وحدة حقيقية عرفية كما في اللحم المشترى من السوق فإنّ فيه حلالا وحراما ، فاللحم لك حلال حتّى تعرف الفرد المحرّم منه.
وأمّا الوجه الثاني ، فهو وإن كان يناسبه صدر الرواية إذ الظرفية في الكلّي والأفراد ممّا لا غبار عليها إلاّ أنّ ذيل الرواية يأبى عن الحمل عليه فإنّه لا يعقل أن يكون معرفة الفرد المحرّم غاية لحلّية الفرد المشتبه.
__________________
وهو الذي ينفع القائلين بالإباحة ، والثالث هو الذي حمل القائل بوجوب التوقّف والاحتياط ، هذه الأحاديث عليه.
(١) في النسخ : قوله.
(٢) « س » : ـ حينئذ.