مكلّفا بالفعل على أنّه مأمور لزم التكليف بالمحال فإنّ حال عدم العلم بالأمر يمتنع إتيان الفعل لداعي الأمر وهو ظاهر ، وقد مرّ تفصيل ذلك في الشبهة الوجوبية الحكمية بما فيه من الأسئلة (١) والأجوبة ، وأمّا لزوم التكليف بلا بيان ، فلأنّ المفروض عدم العلم بالتكليف ولو بواسطة الشكّ في الموضوع ، ومع عدم العلم لو قيل بالتكليف والعقاب على الترك والفعل لزم التكليف من غير بيان والعقاب بلا برهان ، وذلك أيضا أمر (٢) واضح يحكم به كلّ من يجد من (٣) نفسه رائحة من المعنى ، فإنّ الرقيب العتيد (٤) الذي يحاسبنا في حركاتنا الجزئية وسكناتنا الشخصية كيف يتأتّى منه التعذيب على الأمر المجهول مع ظهور حجّة العبد عليه.
فإن قلت : فرق ظاهر بين ما نحن بصدده وما مرّ من الشبهة الحكمية لعدم معلومية الحكم والتكليف فيها رأسا بخلاف المقام فإنّ التكليف بالاجتناب عن الخمر أو إكرام العالم مثلا معلوم ، والشكّ في اندراج الفرد لا يجدي في رفع الحكم المعلوم لأنّ المأمور بالاجتناب عنه وإكرامه هو الخمر الواقعي والعالم النفس الأمري ، والتكليف بالعنوان الواقعي يقضي بالاجتناب عن الخمر المشكوك وإكرام العالم المجهول.
قلت : إن أريد من (٥) لزوم الاجتناب عن الخمر المشكوك وجوبه بواسطة الخطاب (٦) العامّ الحاكم باجتناب الخمر ، فذلك ظاهر البطلان بل لا يكاد يلتزم به العاقل لما عرفت من [ أنّ ] التكليف ولو كان خاصّا في خصوص فعل جزئي يحتاج إلى العلم ، والعلم بالعنوان لا يجدي في الموضوعات الخاصّة بعد كون المقصود حقيقة من الأمر بالكلّي إيجاد الأفراد (٧) كما لا يخفى ، ولو كان الاستناد إلى العنوان المعلوم كافيا في التكليف بالأفراد المشكوكة ، لصحّ الاستناد إليه فيها أيضا لو كان حكم العنوانين
__________________
(١) « س » : الأدلّة.
(٢) « ج » : ـ أمر.
(٣) « م » : في.
(٤) « س » : الرقيب والعتيد.
(٥) « س » : ـ من.
(٦) « م » : خطاب.
(٧) « ج » : الفرد.