وفي الكافي (١) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ثمّ استوى على كلّ شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء.
وفي رواية أخرى (٢) : استوى في كلّ شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء. لم يبعد منه بعيد ولم يقرب منه قريب ، استوى (٣) في كلّ شيء.
قيل (٤) : قد يراد «بالعرش» الجسم المحيط بجميع الأجسام. وقد يراد به ذلك الجسم مع جميع ما فيه من الأجسام ، أعني : العالم الجسمانيّ بتمامه. وقد يراد به ذلك المجموع مع جميع ما يتوسّط بينه وبين الله ـ سبحانه ـ من الأرواح الّتي لا تتقوّم الأجسام إلّا بها ، أعني : العوالم كلّها بتمامها بملكها وملكوتها وجبروتها ، وبالجملة ما سوى الله ـ عزّ وجلّ ـ. وقد يراد علم الله ـ سبحانه ـ المتعلّق بما سواه. وقد يراد به علم الله الّذي اطّلع عليه أنبياؤه ورسله وحججه ـ صلوات الله عليهم ـ. وقد وقعت الإشارة إلى كلّ منها في كلامهم ـ عليهم السّلام ـ. وربّما يفسّر بالملك. و «الاستواء» بالاحتواء ، كما يأتي في سورة «طه» ويرجع إلى ما ذكر.
ثمّ قال (٥) : أقول : فسّر الصّادق ـ عليه السّلام ـ «الاستواء» في روايات الكافي باستواء النّسبة ، و «العرش» بمجموع الأشياء.
ضمّن الاستواء [في الرواية الأولى] (٦) ما يتعدّى «بعلى» ، كالاستيلاء والإشراف ونحوهما لموافقة القرآن. فيصير المعنى : استوى نسبته إلى كلّ شيء حال كونه مستوليا على الكلّ. ففي الآية دلالة على نفي المكان عنه ـ سبحانه ـ خلاف ما يفهمه الجمهور منها.
وفيها ـ أيضا ـ إشارة إلى معيّته (٧) القيّوميّة واتّصاله المعنويّ بكلّ شيء على السّواء ، على الوجه الّذي لا ينافي أحديّته وقدس جلاله. وإلى إفاضة الرّحمة العامّة على الجميع على نسبة واحدة ، وإحاطة علمه بالكلّ على نحو واحد ، وقربه من كلّ شيء على نهج سواء.
وأتى بلفظة «من» في الرّواية الثّانية ، تحقيقا لمعنى الاستواء في القرب والبعد.
وبلفظة «في» في الثّالثة ، تحقيقا لمعنى ما يستوي فيه.
__________________
(١) الكافي ١ / ١٢٧ ـ ١٢٨ ، ح ٦ و ٧.
(٢) نفس المصدر والمجلّد / ١٢٨ ، ح ٨.
(٣) ب : استولى.
(٤) تفسير الصافي ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.
(٥) يعني صاحب الصافي.
(٦) من المصدر.
(٧) كذا في المصدر. وفي ب : معيّة. وفي سائر النسخ : معنى.