فلمّا قارب بدرا (١) ، كان أبو سفيان في العير. فلمّا بلغه أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد خرج يتعرّض العير ، خاف خوفا شديدا ومضى إلى الشّام.
فلمّا وافى النّقرة (٢) ، اكترى ضمضم بن عمرو الحرّاعي (٣) بعشرة دنانير ، وأعطاه قلوصا (٤) ، وقال له : امض إلى قريش ، وأخبرهم أنّ محمّدا والصّباة (٥) من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم ، فأدركوا العير. وأوصاه أن يخرم ناقته ويقطع أذنها حتّى يسيل الدّم ، ويشقّ ثوبه من قبل ودبر فإذا دخل مكّة ولّى وجهه إلى ذنب البعير ، وصاح بأعلى صوته : يا آل غالب يا آل غالب (٦) ، اللّطيمة اللّطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا وما أراكم تدركون ، فإنّ محمّدا والصّباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم.
فخرج ضمضم يبادر إلى مكّة.
ورأت عاتكة بنت عبد المطّلب ، قبل قدوم ضمضم ، في منامها بثلاثة أيّام كأنّ راكبا قد دخل مكّة ينادي : يا آل عذر يا آل فهر (٧) ، أغدوا إلى مصارعكم صبح ثالث. ثمّ وافى بحمله على أبي قبيس ، فأخذ حجرا فدهدهه (٨) من الجبل ، فما ترك دارا (٩) من دور قريش إلّا أصابه منه فلذة. وكأنّ وادي مكّة قد سال من أسفله دما.
فانتبهت ذعرة. فأخبرت العبّاس بذلك. فأخبر العبّاس عتبة بن ربيعة.
فقال عتبة : هذه (١٠) مصيبة تحدث في قريش.
وفشت الرّؤيا في قريش. فبلغ ذلك أبا جهل ، فقال : ما رأت عاتكة هذه الرّؤيا ، وهذه نبيّة ثانية في بني عبد المطّلب! واللّات والعزّى ، لننظرنّ (١١) ثلاثة أيّام ، فإن كان ما رأت حقّا فهو ، كما رأت. وإن كان غير ذلك ، لنكتبنّ بيننا كتابا ، أنّه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ونساء من بني هاشم.
__________________
(١) المصدر : بدر.
(٢) النّقرة : موضع في طريق مكّة. كما قاله الحموي. وفي المصدر : «البهرة». قال الفيروزآبادي : البهرة : موضع بنواحي المدينة.
(٣) المصدر : ضمضم الخزاعي.
(٤) القلوص من الإبل : الشابّة.
(٥) الصّباة : جمع الصابي ، وهو : الّذي خرج من دين إلى دين آخر.
(٦) المكرّر ليس في المصدر.
(٧) كذا في المصدر ، وفي النسخ : عذر.
(٨) المصدر : فدهده.
(٩) ليس في المصدر.
(١٠) ليس في المصدر.
(١١) المصدر : لننتظر.