فلمّا مضى يوم ، قال أبو جهل : هذا يوم قد مضى. فلمّا كان اليوم الثّاني ، قال أبو جهل : هذان يومان قد مضيا. فلمّا كان اليوم الثّالث ، وافى ضمضم ينادي في الوادي : يا آل غالب يا آل غالب ، اللّطيمة اللّطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا وما أراكم تدركون ، فإنّ محمّدا والصّباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم الّتي فيها خزائنكم.
فتصايح النّاس بمكّة ، وتهيّؤوا للخروج. وقام سهيل بن عمرو ، وصفوان بن أميّة ، وأبو البختريّ بن هشام ، ومنبّه ونبيه ، ابنا الحجّاج ، ونوفل بن خويلد ، فقالوا (١) : يا معشر قريش ، والله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه. أن يطمع محمّد والصّباة من (٢) أهل يثرب ، أن يتعرّضوا لعيركم الّتي فيها خزائنكم. فو الله ، ما قرشيّ ولا قرشيّة إلّا ولهما (٣) في هذا العير نشّ (٤) فصاعدا. وإنّه للذّل والصّغار أن يطمع محمّد في أموالكم ، فيفرق بينكم وبين متجركم ، فاخرجوا.
وأخرج صفوان بن أميّة خمسمائة دينار ، وجهّز بها. وأخرج سهيل بن عمرو [خمسمائة] (٥) وما بقي أحد من عظماء قريش ، إلّا أخرجوا مالا وحملوا وقودا (٦). وخرجوا على الصّعب والذّلول لا يملكون أنفسهم ، كما قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) (٧).
وخرج معهم العبّاس بن عبد المطّلب ، ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب.
وأخرجوا معهم المغنّيات ، يشربون الخمر ويضربون بالدّفوف. وخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.
فلمّا كان بقرب بدر على ليلة منها ، بعث بشير بن أبي الرّغباء (٨) ومحمّد بن عمير (٩) يتجسّسان خبر العير. فأتيا ماء بدر ، فأناخا راحلتيهما ، واستعذبا من الماء. وسمعا جاريتين ، قد تشبّثت إحداهما بالأخرى تطالبها بدرهم كان لها عليها. فقالت : عير
__________________
(١) المصدر : قال.
(٢) المصدر : عن.
(٣) المصدر : لها.
(٤) النشّ : نصف الأوقية. وفي المصدر : شيء
(٥) من المصدر.
(٦) المصدر : وقووا.
(٧) الأنفال / ٤٧.
(٨) المصدر : الرعبا (الدعناء ـ خ ل)
(٩) المصدر : مجد بن عمرو.