فقلت : أنا أقوله ، وقريش كلّها تقوله. إنّه قد تحمّل العير ودم ابن الحضرميّ.
فقال : إنّ عتبة أطول النّاس لسانا ، وأبلغهم في الكلام ، ويتعصّب لمحمّد. فإنّه من بني عبد مناف ، وابنه معه ، ويريد أن يخذله (١) بين النّاس. لا ، واللّات والعزّى ، حتّى نقتحم عليهم بيثرب ، ونأخذهم أسارى. فندخلهم مكّة ، وتتسامع العرب بذلك ، ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه.
وبلغ أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كثرة قريش ، ففزعوا فزعا شديدا وشكوا وبكوا واستغاثوا. فأنزل الله على رسوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
فلمّا أمسى (٢) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وجنّه اللّيل ، ألقى الله على أصحابه النّعاس حتّى ناموا. وأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ عليهم السّماء (٣) ، وكان نزول (٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في موضع لا يثبت فيه القدم ، فأنزل الله عليهم السّماء [ولبّد الأرض] (٥) حتى تثبت الأقدام. وهو قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ). وذلك أنّ بعض أصحاب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ احتلم. (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ).
وكان المطر على قريش ، مثل العزالي (٦). وكان على أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رذاذا (٧) بقدر ما يلبّد الأرض. وخافت قريش خوفا شديدا ، فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات.
فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عمّار بن ياسر وعبد الله بن مسعود ، فقال : ادخلا في القوم واتياني (٨) بأخبارهم.
__________________
(١) المصدر : يحذر (يخذل ـ خ)
(٢) المصدر : مشى.
(٣) المصدر : الماء ، والسماء هنا بمعنى المطر.
(٤) المصدر : نزل.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) العزالي : جمع العزلاء : مصب الماء من الراوية. ومنه قولهم : أرخت السّماء عزاليها.
(٧) الرذاذ : المطر الضعيف.
(٨) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ائتونا.