فنزل عتبة عن جمله وحمل على أبي جهل ، وكان على فرس ، فأخذ بشعره.
فقال النّاس : يقتله.
فعرقب فرسه وقال : أمثلي يجبن؟ وستعلم قريش اليوم أيّنا الأم وأجبن (١) ، وأيّنا المفسد لقومه. لا يمشي إلّا أنا وأنت إلى الموت عيانا. ثمّ قال : هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلى فيه.
ثمّ أخذ بشعره يجرّه.
فاجتمع إليه النّاس ، فقالوا : يا أبا الوليد ، الله الله ، لا تفتّ في أعضاد النّاس.
تنهى عن شيء وتكون أوّله.
فخلّصوا أبا جهل من يده.
فنظر عتبة إلى أخيه شيبه ونظر إلى ابنه الوليد ، فقال : قم ، يا بنيّ.
فقام. ثمّ لبس درعه. وطلبوا له بيضة يتسع (٢) رأسه ، فلم يجدوها لعظم هامته.
فاعتمّ بعمامتين. ثمّ أخذ سيفه ، وتقدّم هو وأخوه وابنه ونادى : يا محمّد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش.
فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار ، عوذ ومعوّذ (٣) وعوف من بني عفراء.
فقال عتبة : من أنتم؟ انتسبوا لنعرفكم.
فقالوا : نحن بنو عفراء ، أنصار الله وأنصار رسوله.
فقالوا : ارجعوا ، فإنّا لسنا إيّاكم نريد. إنّما نريد الأكفاء من قريش.
فبعث إليهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ارجعوا ، فرجعوا. وكره أن يكون أوّل الكرّة بالأنصار ، فرجعوا ووقفوا موقفهم.
ثمّ نظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب ، وكان له سبعون سنة ، فقال له : قم يا عبيدة.
فقام بين يديه بالسّيف.
ثمّ نظر إلى حمزة بن عبد المطّلب ، فقال له : قم ، يا عمّ.
__________________
(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : الأليم والأجبن.
(٢) المصدر ور وب : تسع.
(٣) المصدر : عود ومعود.