فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وقال له : خذ قبضة من تراب ، فارمهم بها.
فلمّا التقى الجمعان ، تناول كفّا من الحصباء فرمى بها في وجوههم وقال : شاهت الوجوه. فلم يبق مشرك الّا شغل بعينيه. فانهزموا ، وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. ثمّ لمّا انصرفوا ، أقبلوا على التّفاخر. فيقول الرجل : قتلت وأسرت. فنزلت.
و «الفاء» جواب شرط محذوف ، تقديره : إن فخرتم (١) بقتلهم فلم تقتلوهم ، ولكن الله قتلهم.
(وَما رَمَيْتَ) : يا محمّد ، رميا توصله إلى أعينهم ولم تقدر عليه.
(إِذْ رَمَيْتَ) : أي : أتيت بصورة الرّمي.
(وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، أي : أتى بما هو غاية الرّمي ، فأوصلها إلى أعينهم حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم.
وقد عرفت أنّ اللّفظ يطلق على المسمّى ، وعلى ما هو كماله ، والمقصود منه.
وقيل (٢) : معناه : ما رميت بالرّعب إذ رميت بالحصباء ، ولكنّ الله رمى بالرّعب في قلوبهم.
وقيل (٣) : انّه نزل في طعنة طعن بها أبي بن خلف يوم أحد ، ولم يخرج منه دم ، فجعل يخور حتّى مات. أو رمية سهم رماه يوم حنين نحو الحصن ، فأصاب لبابة بن الحقيق (٤) على فراشه.
وفي تفسير (٥) علي بن ابراهيم ، يعني : الحصى الّذي حمله رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورمى به في وجوه قريش ، وقال : شاهت الوجوه.
وفي كتاب الاحتجاج (٦) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. وفيه قال في هذه الآية : سمّي فعل النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فعلا له. ألا ترى تأويله على غير تنزيله.
__________________
(١) المصدر : افتخرتم.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٣٨٩.
(٤) المصدر : كنانة بن أبي الحقيق.
(٥) تفسير القمي ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.
(٦) الاحتجاج ١ / ٣٧٢.