غلس الصّبح ، فاحملوا حملة رجل واحد وهدّوا (١) القوم. فإنّ محمّدا لم يلق أحدا يحسن الحرب.
قال : فلمّا صلّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الغداة ، انحدر في وادي حنين ، وهو واد له انحدار بعيد. وكانت بنو سليم على مقدّمته ، فخرج عليهم كتائب هوازن من كلّ ناحية ، فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ، ولم يبق أحد إلّا انهزم. وبقي أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقاتلهم في نفر قليل. ومرّ المنهزمون برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لا يلوون على شيء. وكان العبّاس أخذ بلجام بغلة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن يمينه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره.
فأقبل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ينادي : يا معشر الأنصار ، إلى أين المفرّ؟
إليّ (٢) أنا رسول الله. فلم يلو أحد عليه.
وكانت نسيبة بنت كعب المازنيّة تحثو في وجوه المنهزمين التّراب ، وتقول : إلى أين تفرّون عن الله وعن رسوله؟ ومرّ بها عمر ، فقالت له : ويلك ما هذا الّذي صنعت؟
فقال لها : هذا أمر الله.
فلمّا رأى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الهزيمة ، ركض يحوم على بغلته وقد شهر سيفه. فقال : يا عبّاس ، اصعد هذا الظّرب (٣) وناد : يا أصحاب البقرة ، ويا أصحاب الشّجرة ، إلى أين تفرّون؟ هذا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
ثمّ رفع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يده فقال : اللهمّ ، لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان.
فنزل عليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا رسول الله ، دعوت بما دعا به موسى حين (٤) فلق الله له البحر ونجّاه من فرعون.
ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأبي سفيان بن الحارث : ناولني كفّا من حصى.
فناوله ، فرماه في وجوه المشركين. ثمّ قال : شاهت الوجوه. ثمّ رفع رأسه إلى
__________________
(١) هدّ الشيء : كسره.
(٢) المصدر : ألا.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : الطرف.
والظّرب : التلّ من الرمل.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : حيث.