موسى أخا لله أو شيخا أو أبا أو سيّدا. لأنّه قد زاده في الإكرام ممّا لعزير ، كما أنّ من زاد رجلا في الإكرام فقال له : يا سيّدي ، ويا شيخي ، ويا عمّي ، ويا رئيسي. على طريق الإكرام. وأنّ من زاده في الكرامة ، زاده في مثل هذا القول. أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله ، أو شيخا ، أو عمّا ، أو رئيسا ، أو سيّدا ، أو أميرا. لأنّه قد زاده في الإكرام على من قال له : يا شيخي ، أو يا سيّدي ، أو يا عمّي (١) ، أو يا رئيسي [أو يا أميري] (٢)!؟
قال : فبهت القوم وتحيّروا ، وقالوا : يا محمّد ، أجّلنا نتفكّر فيما قد قلته لنا.
فقال : انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف ، يهدكم الله.
ثمّ أقبل ـ صلّى الله عليه وآله ـ على النّصارى ، فقال : وأنتم قلتم : إنّ القديم ـ عزّ وجلّ ـ اتّحد بالمسيح (٣) ـ عليه السّلام ـ ابنه. فما الّذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم (٤) أنّ القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الّذي هو عيسى ، أو المحدث الّذي هو عيسى صار قديما لوجود (٥) القديم الّذي هو الله ، أو معنى قولكم : أنّه اتّحد به أنّه اختصّه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه؟ فإنّ أردتم أنّ القديم صار محدثا ، فقد أبطلتم ، لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا. وإن أردتم أنّ المحدث صار قديما ، فقد أحلتم (٦) ، لأنّ المحدث ـ أيضا ـ محال أن يصير قديما. وإن أردتم أنّه اتّحد به بان اختصه واصطفاه على سائر عباده ، فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الّذي اتّحد من أجله. لأنّه إذا كان عيسى محدثا وكان الله قد اتّحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده ، فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين. وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه.
فقالت النّصارى : يا محمّد ، إنّ الله لمّا أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة (٧) ما أظهر ، فقد اتّخذه ولدا على جهة الكرامة.
فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الّذي ذكرتموه.
ثمّ أعاد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك كلّه. فسكتوا ، إلّا رجلا واحدا منهم قال
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : يا أميري.
(٢) من المصدر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : اتّخذ المسيح.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : إن أردتم.
(٥) في المصدر : كوجود.
(٦) كذا في المصدر. وفي أو ب : أبطلتم. وفي ج : أحلهم. وفي ر : احليم.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : القبيحة.