قال : بلى.
قال : فما معنى قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١)؟
فقال ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ تعالى ـ قال لآدم ـ عليه السّلام ـ : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ). وأشار لهما إلى شجرة الحنطة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٢). ولم يقل : ولا تأكلا من هذه الشّجرة ولا ممّا كان من جنسها. فلم يقربا تلك الشّجرة [ولم يأكلا منها] (٣). وإنّما أكلا من غيرها لمّا أن وسوس الشّيطان إليهما ، وقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) وإنّما نهاكما أن تقربا غيرها ، [ولم ينهكما] (٤) عن الأكل منها (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ، وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ).
ولم يكن آدم وحوّاء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا. (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله. وكان ذلك من آدم قبل النّبوّة. ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النّار ، وإنّما كان من الصّغائر الموهوبة الّتي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم. فلمّا اجتباه الله ـ تعالى ـ وجعله نبيّا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة. قال الله ـ تعالى ـ : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٥).
وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٦).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : وروي عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أخرج الله آدم من الجنّة ، نزل عليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال : يا آدم ، أليس الله خلقك بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وزوّجك أمته حوّاء وأسكنك الجنّة وأباحها لك ونهاك مشافهة أن تأكل (٨) من هذه الشّجرة ، فأكلت منها وعصيت الله؟
فقال آدم ـ عليه السّلام ـ : يا جبرئيل ، إنّ إبليس حلف بالله أنّه لي ناصح ، فما ظننت أنّ أحدا من الخلق يحلف بالله كاذبا.
__________________
(١) طه / ١٢١.
(٢) البقرة / ٣٥.
(١ و ٤) ـ من المصدر.
(٥) طه / ١٢١ ـ ١٢٢.
(٦) آل عمران / ٣٤.
(٧) تفسير القمّي ١ / ٢٢٥.
(٨) المصدر : ألّا تأكل.