ومعنى الردّ هنا : الرّجوع ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) [الكهف : ٣٦] ، وقال في موضع آخر : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ) [فصلت : ٥٠].
فإن قيل : ما معنى الرّدّ في الرّجعيّة وهي زوجة ، ما دامت في العدّة؟
فالجواب : أنّ الردّ والرّجعة يتضمّن إبطال التّربّص والتّحرّي في العدّة ، فإنّها ما دامت في العدّة ، كأنّها جارية إلى إبطال حقّ الزّوج ، وبالرّجعة بطل ذلك فسمّيت الرّجعة ردّا ، لا سيّما ومذهب الشّافعيّ أنه يحرم الاستمتاع بها إلّا بعد الرّجعة ، فالردّ على مذهبه فيه معنيان :
أحدهما : ردّها من التّربّص إلى خلافه.
والثاني : ردّها من الحرمة إلى الحلّ.
قوله : (إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) فالمعنى : أن الأزواج أحقّ بالمراجعة ، إن أرادوا الإصلاح ولم يريدوا المضارّة ؛ ونظيره قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [البقرة : ٢٣١].
والسّبب في ذلك : أنّ الرّجل كان في الجاهليّة يطلّق امرأته ، فإذا قرب انقضاء عدّتها ، راجعها ثم تركها مدّة ثمّ طلّقها ، فإذا قرب انقضاء عدّتها ، راجعها ثمّ طلّقها ثم بعد مدّة طلقها يقصد بذلك تطويل عدّتها ، فنهوا عن ذلك (١) ، وجعل إرادة الإصلاح شرطا في المراجعة.
فإن قيل : الشّرط يقتضي انتفاء الحكم عند انتفائه ، فيلزم إذا لم توجد إرادة الإصلاح ألّا تصحّ الرّجعة؟
فالجواب : أنّ الإرادة صفة باطنة لا اطّلاع لنا عليها ، والشّرع لم يوقف صحّة المراجعة عليها ؛ بل جوازها فيما بينه وبين الله ـ تعالى ـ موقوف على هذه الإرادة ، فإن راجعها لقصد المضارّة ، استحقّ الإثم.
فصل
نقل القرطبي (٢) عن مالك ، قال : إذا وطئ المعتدّة الرّجعيّة في عدّتها ، وهو يريد الرّجعة وجهل أن يشهد ، فهي رجعة ، وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد ؛ لقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٣) فإن وطئ
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٠٥.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٨٠.
(٣) أخرجه البخاري (١ / ١٥) كتاب بدء الوحي : باب كيف كان بدء الوحي حديث (١) ، (٥ / ١٩٠) كتاب العتق : باب الخطأ والنسيان (٢٥٢٩) ، (٧ / ٢٦٧) كتاب مناقب الأنصار حديث (٣٧٩٧).
ومسلم (٣ / ١٥١٥) كتاب الإمارة : باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم حديث (١٥٥ / ١٩٠٧) من حديث عمر.