والثالث : أن يكون فاعل فعل محذوف ، أي : فليكن إمساك بمعروف.
قوله : «بمعروف» و «بإحسان» في هذه الباء قولان :
أحدهما : أنها متعلّقة بنفس المصدر الذي يليه ، ويكون معناها الإلصاق.
والثاني : أن تتعلّق بمحذوف على أنها صفة لما قبلها ، فتكون في محلّ رفع ، أي : فإمساك كائن بمعروف ، أو تسريح كائن بإحسان.
قالوا : ويجوز في العربيّة نصب «فإمساك» و «تسريح» على المصدر ، أي : فأمسكوهنّ إمساكا بمعروف ، أو سرّحوهنّ تسريحا بإحسان ، إلّا أنّه لم يقرأ به أحد.
والتّسريح : الإرسال والإطلاق ، ومنه قيل للماشية : سرح ، وناقة سرح ، أي : سهلة السّير ؛ لاسترسالها فيه.
وتسريح الشّعر : تخليص بعضه من بعض ، والإمساك خلاف الإطلاق ، والمساك والمسكة اسمان منه ؛ يقال : إنّه لذو مسكة ومساكة إذا كان بخيلا.
قال الفرّاء (١) : يقال : إنه ليس بمساك غلمانه ، وفيه مساكة من جبر ، أي : قوّة.
قال القرطبي (٢) : وصريح الطّلاق ثلاثة ألفاظ ورد القرآن بها : وهي الطّلاق والسّراح والفراق (٣) ، وهو قول الشّافعي.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٨٤.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٨٨.
(٣) إذا صح أن الطلاق لا يقع إلا بلفظ يشعر به وما قام مقامه عند العجز كإشارة الأخرس ، فاعلم أن الألفاظ التي يخاطب بها الرجل زوجته في الطلاق تنقسم إلى قسمين ؛ لأنها إما أن تحتمل الفراق بوجه ، أو لا تحتمله أصلا ، الثاني : كقومي أو اقعدي لا يقع به الطلاق وإن نواه ؛ لعدم احتمال اللفظ للفراق بوجه ، وأمّا ما يحتمل الفراق فعلى ضربين : صريح ، وهو ما لا يحتمل ظاهره غير حل عصمة النكاح وتقع به الفرقة من غير نية. وكناية ؛ وهي في الأصل الخفاء والإيماء إلى الشيء من غير تصريح ؛ ولما كانت ألفاظ الكناية فيها خفاء وإيماء إلى الطلاق سميت كناية ، والمراد بها هنا : كل لفظ احتمل الطلاق وغيره ، وتقع بها الفرقة مع النية ، ولا تقع بها من غير نية ، ولكل منها ألفاظ وللصريح ألفاظ تنقسم إلى قسمين : صريح بنفسه ، وصريح بغيره.
الصريح بنفسه : هو ثلاثة : الطلاق ، والفراق ، والسراح. فيقع الطلاق بما اشتق منه إجماعا ؛ ولاشتهاره فيه لغة وشرعا ، كطلقتك ، وكذا أنت طالق ، ويكون صريحا في واحدة فقط ، وكناية في الثنتين والثلاثة.
والصريح بغيره : أما الصريح بغيره ، فهو مشتق كالخلع ، وكذا لفظ المفاداة على التحقيق ، إذا وجد أحدهما مع واحد من ثلاث ، ذكر المال ، أو نيته أو إضمار قبول الزوجة ، ويقع في الكل بائنا إن قبلت ، ويلزمه في الأول المسمى ، وفي الثاني ما نواه إن اتفقت نيتهما ، وإلا فما توافقا عليه ، فإن اختلفا في النية رجع إلى مهر المثل ، ويجب في الثالثة مهر المثل قطعا ، فإن لم تقبل لم يقع شيء إن نوى التماس قبولها ، وإلا فكناية.
ومن الصريح بغيره ما لو قيل له استخبارا : أطلقت زوجتك؟ فقال نعم ، أو ما يرادفها كجير وأجل ، ويكون مقرا بالطلاق ، فإن كان صادقا طلقت ظاهرا وباطنا ، وتكون في الباطن له زوجة إن كان كاذبا ، ـ