مفعول به ناصبه «تأخذوا». ويجوز أن يكون مصدرا ، أي : شيئا من الأخذ. والوجهان منقولان في قوله : (لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) [يس : ٥٤].
قوله : (إِلَّا أَنْ يَخافا) هذا استثناء مفرّغ ، وفي (أَنْ يَخافا) وجهان :
أحدهما : أنه في محلّ نصب على أنه مفعول من أجله ، فيكون مستثنى من ذلك العامّ المحذوف ، والتقدير : ولا يحلّ لكم أن تأخذوا بسبب من الأسباب ، إلا بسبب خوف عدم إقامة حدود الله ، وحذف حرف العلة ؛ لاستكمال شروط النصب ، لا سيما مع «أن» ولا يجيء هنا خلاف الخليل وسيبويه (١) : أهي في موضع نصب ، أو جرّ بعد حذف اللام ، بل هي في محلّ نصب فقط ، لأنّ هذا المصدر لو صرّح به ، لنصب ، وهذا قد نصّ عليه النحويّون ، أعني كون «أن» وما بعدها في محلّ نصب ، بلا خلاف ، إذا وقعت موقع المفعول له.
والثاني : أنه في محلّ نصب على الحال ، فيكون مستثنى من العامّ أيضا ، تقديره : ولا يحلّ لكم في كلّ حال من الأحوال إلّا في حال خوف ألّا يقيما حدود الله ، قال أبو البقاء (٢) : والتقدير : إلّا خائفين ، وفيه حذف مضاف ، تقديره : ولا يحلّ لكم أن تأخذوا على كلّ حال ، أو في كلّ حال إلا في حال الخوف ، والوجه الأول أحسن ، وذلك أنّ «أن» وما في حيّزها مؤوّلة بمصدر ، وذلك المصدر واقع موقع اسم الفاعل المنصوب على الحال ، والمصدر لا يطّرد وقوعه حالا ، فكيف بما هو في تأويله!! وأيضا فقد نصّ سيبويه (٣) على أنّ «أن» المصدرية لا تقع موقع الحال.
والألف في قوله «يخافا» و «يقيما» عائدة على صنفي الزوجين ، وهذا الكلام فيه التفات ، إذ لو جرى على نسق الكلام ، لقيل : «إلّا أن تخافوا ألّا تقيموا» بتاء الخطاب للجماعة ، وقد قرأها (٤) كذلك عبد الله ، وروي عنه أيضا بياء الغيبة ، وهو التفات أيضا.
والقراءة في «يخافا» بفتح الياء واضحة ، وقرأها (٥) حمزة وأبو جعفر ويعقوب بضمّها على البناء للمفعول ، وقد استشكلها جماعة ، وطعن فيها آخرون لعدم معرفتهم بلسان العرب ، وقد ذكروا فيها توجيهات كثيرة ، أحسنها أن يكون «أن يقيما» بدلا من الضمير في «يخافا» ؛ لأنه يحلّ محلّه ، تقديره : إلّا أن يخاف عدم إقامتهما حدود الله ،
__________________
(١) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ١٧.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٦.
(٣) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ١٩٥.
(٤) انظر : البحر المحيط ٢ / ٢٠٧ ، والدر المصون ١ / ٥٥٩.
(٥) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٠٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٠٧ إلا أن أبا حيان قال : وقرأ حمزة ويعقوب ويزيد بن القعقاع : إلا أن يخافوا بضم الياء مبنيا للمفعول ؛ فذكر الفعل مسندا لواو الجماعة ، والقراءة المذكورة الفعل مسند فيها إلى ألف الاثنين.