أمّا ما ذكره من حيث الإعراب : فلا يلزم حمزة ما قرأ به عبد الله.
وأمّا من حيث اللفظ : فإنه من باب الالتفات ؛ كما قدّمته أولا ، ويلزم النّحّاس أنه كان ينبغي على قراءة غير حمزة أن يقرأ : «فإن خافا» ، وإنّما هو في القراءتين من الالتفات المستحسن في العربية.
وأمّا من حيث المعنى : فلأنّ الولاة والحكام هم الأصل في رفع التظالم بين الناس وهم الآمرون بالأخذ والإيتاء.
ووجّه الفراء (١) قراءة حمزة ، بأنه اعتبر قراءة عبد الله «إلّا أن تخافوا». وخطّأه الفارسيّ وقال : «لم يصب ؛ لأنّ الخوف في قراءة عبد الله واقع على «أن» ، وفي قراءة حمزة واقع على الرجل والمرأة». وهذا الذي خطّأ به الفراء ليس بشيء ؛ لأنّ معنى قراءة عبد الله : إلّا أن تخافوهما ، أي : الأولياء ، الزوجين ألّا يقيما ، فالخوف واقع على «أن» وكذلك هي في قراءة حمزة الخوف واقع عليها أيضا بأحد الطريقين المتقدّمين : إمّا على كونها بدلا من ضمير الزوجين ؛ كما تقدّم تقريره ، وإمّا على حذف حرف الجرّ ، وهو «على». والخوف هنا فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه على بابه من الحذر والخشية ، فتكون «أن» في قراءة غير حمزة في محلّ جرّ ، أو نصب ؛ على حسب الخلاف فيها بعد حذف حرف الجرّ ؛ إذ الأصل : من ألّا يقيما ، أو في محلّ نصب فقط ؛ على تعدية الفعل إليها بنفسه ؛ كأنه قيل : إلّا أن يحذر عدم إقامة حدود الله.
والثاني : أنه بمعنى العلم ، وهو قول أبي عبيدة (٢). وأنشد : [الطويل]
١١٠٩ ـ فقلت لهم خافوا بألفي مدجّج |
|
سراتهم في الفارسيّ المسرّد (٣) |
ومنه أيضا : [الطويل]
١١١٠ ـ ولا تدفننّي في الفلاة فإنّني |
|
أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها (٤) |
ولذلك رفع الفعل بعد «أن» ، وهذا لا يصحّ في الآية ، لظهور النّصب ، وأما البيت ، فالمشهور في روايته «فقلت لهم ظنّوا بألفي».
والثالث : الظّنّ ، قاله الفراء ؛ ويؤيّده قراءة أبيّ (٥) : «إلّا أن يظنّا» ؛ وأنشد : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٤٦.
(٢) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٧٤.
(٣) تقدم برقم (٤٥٨).
(٤) تقدم برقم ٩٢٤.
(٥) انظر : الكشاف ١ / ٢٧٥ ، والدر المصون ١ / ٥٦١.