والأقرب هو الأوّل ؛ لأنه تهديد بعد ذكر تكاليف ، فيكون تهديدا عليها ، لا على غيرها. ولمّا رغّبهم في أداء التكاليف بالتهديد ، رغبهم ـ أيضا ـ بذكر نعمه عليهم في الدنيا والدين ، فقال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي : بالإسلام ، وبيان الأحكام. ويجوز في «عليكم» وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق بنفس «النعمة» ، إن أريد بها الإنعام ؛ لأنها اسم مصدر ؛ كنبات من أنبت ، ولا تمنع تاء التأنيث من عمل هذا المصدر ؛ لأنه مبنيّ عليها كقوله : [الطويل]
١١١٦ ـ فلو لا رجاء النّصر منك ورهبة |
|
عقابك قد كانوا لنا كالموارد (١) |
فأعمل «رهبة» في «عقابك» ، وإنما المحذور أن يعمل المصدر الذي لا يبنى عليها ، نحو : ضرب وضربة ، ولذلك اعتذر الناس عن قوله : [الطويل]
١١١٧ ـ يحايي به الجلد الّذي هو حازم |
|
بضربة كفّيه الملا وهو راكب (٢) |
بأنّ الملا ، وهو السراب ، منصوب بفعل مقدّر لا بضربة.
والثاني : أن يتعلّق بمحذوف ، على أنه حال من «نعمة» إن أريد بها المنعم به ، فعلى الأول تكون الجلالة في محلّ رفع ، لأنّ المصدر رافع لها تقديرا ؛ إذ هي فاعلة به ، وعلى الثاني في محلّ جرّ لفظا وتقديرا.
قوله (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ) يجوز في «ما» وجهان :
أحدهما : أن تكون في محلّ نصب ؛ عطفا على «نعمة» ، أي : اذكروا نعمته والمنزّل عليكم ، فعلى هذا يكون قوله : «يعظكم» حالا ، وفي صاحبها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الفاعل في «أنزل» وهو اسم الله تعالى ، أي : أنزله واعظا به لكم.
والثاني : أنه «ما» الموصولة ، والعامل في الحال : اذكروا.
والثالث : أنه العائد على «ما» المحذوف ، أي : وما أنزله موعوظا به ، فالعامل في الحال على هذا القول وعلى القول الأول «أنزل».
والثاني من وجهي «ما» : أن تكون في محلّ رفع بالابتداء ، ويكون «يعظكم» على هذا في محلّ رفع ؛ خبرا لهذا المبتدأ ، أي : والمنزّل عليكم موعوظ به. وأول الوجهين أقوى وأحسن.
__________________
(١) البيت من شواهد الكتاب ١ / ١٨٩ ، المفصل لابن يعيش ٦ / ٦١ ، حاشية يس ٢ / ٦٣ ، الدر المصون ١ / ٤٦٥.
(٢) البيت ينظر : الهمع ٢ / ٩٢ ، العيني ٣ / ٥٢٧ ، حاشية يس ١ / ٣١٦ ، الدرر ٢ / ١٢٢ ، الدر المصون ١ / ٥٦٥.