قوله تعالى : (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) فيه وجوه :
أحدها : ظلم نفسه ؛ بتعريضها للعذاب.
وثانيها : ظلم نفسه ؛ بأن فوّت عليها منافع الدنيا والدّين :
أمّا منافع الدنيا : فإنّه إذا اشتهر بين الناس بهذه المعاملة القبيحة فلا يرغب أحد في تزويجه ، ولا معاملته.
وأما منافع الدّين فتضييعه للثواب الحاصل على حسن عشرة الأهل ، والثواب على الانقياد لأحكام الله تعالى.
قوله : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) فيه وجوه :
أحدها : أنّ من أمر بشيء ، فلم يفعله بعد أن نصّب نفسه منصب الطائعين ، يقال : إنه استهزأ بذلك الأمر ولعب به ؛ فعلى هذا يكون المراد أنّ من وصلت إليه هذه التكاليف المتقدمة من العدّة ، والرّجعة ، والخلع ، وترك المضارّة ، ويسأم لأدائها يكون كالمستهزئ بها ، وهذا تهديد عظيم للعصاة من أهل الصلاة ، وغيرهم.
وثانيها : ولا تتسامحوا في تكاليف الله تعالى ، ولا تتهاونوا بها.
وثالثها : قال أبو الدّرداء : كان الرجل يطلّق في الجاهلية ، ويقول : «طلّقت ، وأنا لاعب» ويعتق ، وينكح ، ويقول مثل ذلك ؛ فنزلت هذه الآية ، فقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال : «من طلّق ، أو حرّر ، أو نكح ، فزعم أنّه لاعب فهو جدّ» (١).
وروى أبو هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ثلاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ ؛ الطّلاق والنّكاح والعتاق» (٢).
ورابعها : قال عطاء : معناه أنّ المستغفر من الذنب إذا كان مصرّا عليه ، أو على غيره ، كان مستهزئا بآيات الله تعالى (٣).
وقال مالك في «الموطأ» : بلغنا أنّ رجلا قال لابن عبّاس : إني طلقت امرأتي مائة مرّة ، فماذا ترى؟ فقال ابن عبّاس : طلّقت منك بثلاث ؛ وسبع وتسعون اتخذت آيات الله هزوا (٤).
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٠٩) وعزاه لابن أبي عمر في مسنده وابن مردويه في تفسيره عن أبي الدرداء.
(٢) أخرجه أبو داود (٢١٩٤) والترمذي (١ / ٢٢٣) وابن ماجه (٢٠٣٩) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢ / ٥٨) وابن الجارود (٧١٢) والحاكم (٢ / ١٩٨) والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٤٦) عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي : حديث حسن غريب. وقال الحاكم : صحيح الإسناد وعبد الرحمن بن حبيب من ثقات المدنيين ورده الذهبي بقوله : قلت : فيه لين.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٩٥.
(٤) ذكره مالك في الموطأ (٢ / ٥٥٠) كتاب الطلاق رقم (٣).