تقدّم عليه ، والتّقدير : قل : قتال فيه كبير وصدّ عن سبيل الله كبير وكفر به كبير ونظيره : زيد منطلق وعمرو ، وتقديره : وعمرو منطلق. وطعن البصريّون في هذا فقالوا : أمّا قولكم تقدير الآية : يسألونك عن قتال في الشّهر الحرام وفي المسجد الحرام ؛ فهو ضعيف ؛ لأنّ السّؤال كان واقعا عن القتال في الشّهر الحرام ، لا عن القتال في المسجد الحرام ، وطعنوا في الوجه الأوّل بأنّه يقتضى أن يكون القتال في الشّهر الحرام كفرا بالله ، وهو خطأ بالإجماع.
الثاني : بأنّه قال بعد ذلك «وإخراج أهله منه أكبر» أي : أكبر من كلّ ما تقدّم ، فيلزم أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله من الكفر ، وهو خطأ بالإجماع.
قال ابن الخطيب (١) : وللفرّاء أن يجيب عن الأوّل بأنّه : من الذي أخبركم بأنّه ما وقع السّؤال عن القتال في المسجد الحرام ، بل الظّاهر أنّه وقع ؛ لأنّ القوم كانوا مستعظمين للقتال في الشّهر الحرام في البلد الحرام ، وكان أحدهما كالآخر في القبح عند القوم ، فالظّاهر أنّهم جمعوهما في السّؤال ، وقولهم : على الوجه الأوّل يلزم أن يكون قتال في الشّهر الحرام وكفر ، فنحن نقول به لأنّ النّكرة في سياق الإثبات لا تفيد العموم.
وعندنا أنّ قتالا واحدا في الشّهر الحرام كفر.
وقولهم على الثّاني : يلزم أن يكون إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر.
قلنا : المراد أهل المسجد : وهم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وأصحابه ، وإخراج الرّسول من المسجد على سبيل الإذلال لا شكّ أنه كفر ، وهو مع كونه كفرا فهو ظلم لأنّه إيذاء للإنسان من غير جرم سابق ، ولا شكّ أن الشيء الّذي يكون ظلما وكفرا أكبر ، وأقبح عند الله ممّا يكون كفرا وحده ، ولما ذكر أبو البقاء هذا القول ـ وهو أن يكون معطوفا على الشّهر الحرام ـ أي يسألونك عن الشّهر الحرام وعن المسجد الحرام.
قال أبو البقاء (٢) وضعف هذا بأنّ القوم لم يسألوا عن المسجد الحرام إذ لم يشكّوا في تعظيمه ، وإنّما سألوا عن القتال في الشّهر الحرام.
والثاني : القتال في المسجد الحرام ؛ لأنّهم لم يسألوا عن ذات الشّهر ولا عن ذات المسجد ، إنما سألوا عن القتال فيهما ؛ فأجيبوا بأنّ القتال في الشّهر الحرام كبير ، وصدّ عن سبيل الله تعالى ، فيكون [قتال] أخبر عنه بأنه كبير ، وبأنه صدّ عن سبيل الله ، وأجيبوا بأنّ القتال في المسجد الحرام وإخراج أهله أكبر من القتال فيه. وفي الجملة ، فعطفه على الشّهر الحرام متكلّف جدّا يبعد عنه نظم القرآن ، والتركيب الفصيح.
الرابع : أن يتعلّق بفعل محذوف دلّ عليه المصدر تقديره : ويصدّون عن المسجد ، كما قال تعالى : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الفتح : ٢٥] قاله أبو
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٢٩.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٣٢.