خبر بعد خبر ، والتّقدير : إن قتالا فيه محكوم عليه بأنه كبير ، وبأنه صدّ عن سبيل الله ، وبأنّه كفر بالله.
والطريق الثاني : أن يكون قوله : (قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) جملة مبتدأ وخبر وقوله : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، فهو مرفوع بالابتداء. وكذا قوله «وكفر به» والخبر محذوف لدلالة ما
__________________
ـ قال : يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين ، على أنه قد روي عن عائشة ـ عليهاالسلام ـ أنها سئلت عن هذا الموضع ، فقالت : هذا خطأ من الكاتب ، وروي عن بعض ولد عثمان أنه سئل عنه ، فقال : إن الكاتب لما كتب : (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) قال : ما أكتب؟ فقيل له : اكتب والمقيمين الصلاة ، يعني : أن المملّ أعمل قوله : «اكتب» في (الْمُقِيمِينَ) على أن الكاتب يكتبها بالواو كما كتب ما قبلها ، فكتبها على لفظ المملّ.
وأما قوله تعالى : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فلا حجة لهم فيه ؛ لأن (المسجد الحرام) مجرور بالعطف على (سبيل الله) ، لا بالعطف على (به) والتقدير فيه : وصدّ عن سبيل الله وعن المسجد الحرام ؛ لأن إضافة الصد عنه أكثر في الاستعمال من إضافة الكفر به ؛ ألا ترى أنهم يقولون : «صددته عن المسجد» ولا يكادون يقولون : «كفرت بالمسجد».
وأما قوله تعالى : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) فلا حجّة لكم فيه ؛ لأن (من) في موضع نصب بالعطف على (معايش) أي : جعلنا لكم فيها المعايش والعبيد والإماء.
وأما قول الشاعر :
فاذهب فما بك والايّام من عجب
فلا حجة فيه أيضا ؛ لأنه مجرور على القسم ، لا بالعطف على الكاف في «بك» ، وأما قول الآخر :
أفيها كان حتفي أم سواها
فلا حجة فيه أيضا ؛ لأن «سواها» في موضع نصب على الظرف ، وليس مجرورا على العطف ؛ لأنها لا تقع إلا منصوبة على الظرف ، وقد ذكرنا ذلك في موضعه.
وأما قول الآخر :
وما بينها والكعب غوط نفانف
فلا حجة فيه أيضا ؛ لأنه ليس مجرورا على ما ذكروا ، وإنما هو مجرور على تقدير تكرير «بين» مرة أخرى ؛ فكأنه قال : وما بينها وبين الكعب ، فحذف الثانية ؛ لدلالة الأولى عليها ؛ كما تقول العرب : ما كلّ بيضاء شحمة ولا سوداء تمرة ، يريدون : «ولا كلّ سوداء» فيحذفون «كل» الثانية : لدلالة الأولى عليها ، وقال الشاعر :
أكلّ امرئ تحسبين امرأ |
|
ونار توقّد باللّيل نارا |
أراد «وكل نار» فاستغنى عن تكرير «كل» وهذا كثير في كلامهم ، وبهذا يبطل قول من توهّم منكم أن ياء النسب في قولهم : «رأيت التّيميّ تيم عديّ» اسم في موضع خفض ؛ لأنه أبدل منها «تيم عديّ» فخفضه على البدل ؛ لأن التقدير فيه : صاحب تيم عديّ ، فحذف «صاحب» وجر ما بعده بالإضافة ؛ لأنه في تقدير الثبات ، وهذا هو الجواب عن قول الآخر :
وأبي نعيم ذي اللّواء المحرق
ثم لو حمل ما أنشدوه من الأبيات على ما ادّعوه ، لكان من الشاذ الذي لا يقاس عليه ، والله أعلم ، فالخلاف على هذا لفظيّ صوريّ لا معنوي حقيقيّ ، فتنبّه!!