أحدهما : أنّ قوله : «قتال فيه» مبتدأ ، وقوله : (كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ)
__________________
على أنه لا يجوز عطف المضمر المجرور على المظهر المجرور ؛ فلا يجوز أن يقال : «مررت بزيد وبك» فكذلك ينبغي أن لا يجوز عطف المظهر المجرور على المضمر المجرور ؛ فلا يقال : «مررت بك وزيد» لأن الأسماء مشتركة في العطف ، فكما لا يجوز أن يكون معطوفا لا يجوز أن يكون معطوفا عليه ، والاعتماد من هذه الأدلة على الأول.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما احتجاجهم بقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) فلا حجة لهم فيه من وجهين :
أحدهما : أن قوله (وَالْأَرْحامَ) ليس مجرورا بالعطف على الضمير المجرور وإنما هو مجرور بالقسم ، وجواب القسم قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) والوجه الثاني : أن قوله : (وَالْأَرْحامَ) مجرور بياء مقدرة غير الملفوظ بها ، وتقديره : وبالأرحام ، فحذفت لدلالة الأولى عليها ، وله شواهد كثيرة في كلامهم سنذكر طرفا منها مستوفى في آخر المسألة إن شاء الله تعالى.
وأما قوله : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ) فلا حجّة لهم فيه أيضا من وجهين : أحدهما : أنا لا نسلم أنه في موضع جر ، وإنما هو في موضع رفع بالعطف على (الله) والتقدير فيه : الله يفتيكم فيهن ويفتيكم فيهن ما يتلى عليكم ، وهو القرآن ، وهو أوجه الوجهين.
والثاني : أنا نسلّم أنه في موضع جر ، ولكن بالعطف على (النساء) من قوله : (يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) لا على الضمير المجرور في (فيهن).
وأما قوله : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ) فلا حجة لهم فيه أيضا من وجهين :
أحدهما : أنا لا نسلم أنه في موضع جر ، وإنما هو في موضع نصب على المدح بتقدير فعل ، وتقديره : أعني المقيمين ؛ وذلك لأن العرب تنصب على المدح عند تكرر العطف والوصف ، وقد يستأنف فيرفع ، قال الله تعالى : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) فرفع (الموفون) على الاستئناف ؛ فكأنه قال : وهم الموفون ، ونصب (الصابرين) على المدح ؛ فكأنه قال : اذكر الصابرين ، ثم قالت الخرنق امرأة من العرب :
لا يبعدن قومي الّذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النّازلون بكلّ معترك |
|
والطّيّبين معاقد الأزر |
فنصبت «الطيبين» على المدح ، فكأنها قالت : أعني الطيبين ، ويروى أيضا «والطيّبون» بالرفع ، أي : وهم الطيبون ، وقال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
وذا الرّأي حين تغمّ الأمور |
|
بذات الصّليل وذات اللّجم |
فنصب «ذا الرأي» على المدح ؛ فكذلك ها هنا. وقال الآخر :
وكلّ قوم أطاعوا أمر مرشدهم |
|
إلّا نميرا أطاعت أمر غاويها |
الظّاعنين ولمّا يظعنوا أحدا |
|
والقائلون لمن دار نخلّيها |
فرفع «القائلون» على الاستئناف ، ولك أن ترفعهما جميعا ، ولك أن تنصبهما جميعا ، ولك أن تنصب الأول وترفع الثاني ، ولك أن ترفع الأول وتنصب الثاني ، لا خلاف في ذلك بين النحويين.
والوجه الثاني : أنا نسلّم أنه في موضع جر ، ولكن بالعطف على «ما» من قوله : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) فكأنه ـ