الثالث : أن يكون معطوفا على «الشّهر الحرام» ثم بعد هذا طريقان :
__________________
ـ ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز العطف على الضمير المخفوض ، وذلك نحو قولك : «مررت بك وزيد». وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز.
أما الكوفيون فاحتجّوا بأن قالوا : الدليل على أنه يجوز أنه قد جاء ذلك في التنزيل وكلام العرب ، قال الله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) بالخفض ، وهي قراءة أحد القراء السبعة ـ وهو حمزة الزيات ـ وقراءة إبراهيم النخعي ، وقتادة ، ويحيى بن وثاب ، وطلحة بن مصرف والأعمش ، ورواية الأصفهانيّ ، والحلبيّ عن عبد الوارث ، وقال تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ف «ما» : في موضع خفض لأنه عطف على الضمير المخفوض في (فيهنّ) وقال تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) ف «المقيمين» في موضع خفض بالعطف على الكاف في (إليك) والتقدير فيه : يؤمنون بما أنزل إليك وإلى المقيمين الصلاة ، يعني : من الأنبياء عليهمالسلام ، ويجوز أيضا أن يكون عطفا على الكاف في (قبلك) والتقدير فيه : ومن قبل المقيمين الصلاة يعني : من أمتك ، وقال تعالى : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فعطف (المسجد الحرام) على الهاء من (به) وقال تعالى : وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ ف «من» في موضع خفض بالعطف على الضمير المخفوض في (لكم) فدلّ على جوازه ، وقال الشاعر :
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيّام من عجب |
ف «الأيام» : خفض بالعطف على الكاف في «بك» والتقدير : بك وبالأيام وقال الآخر :
أكرّ على الكتيبة لا أبالي |
|
أفيها كان حتفي أم سواها |
فعطف «سواها» بأم على الضمير في «فيها» والتقدير : أم في سواها وقال الآخر :
تعلّق في مثل السّواري سيوفنا |
|
وما بينها والكعب غوط نفانف |
فالكعب : مخفوض بالعطف على الضمير المخفوض في «بينها» والتقدير : وما بينها وبين الكعب غوط نفانف ، يعني : أن قومه طوال ، وأن السيف على الرجل منهم كأنه على سارية من طوله ، وبين السيف وكعب الرجل منهم غائط ـ وهو المكان المطمئن من الأرض ـ ونفانف : واسعة ، أي : بين السيف والكعب مسافة ، فعطف «الكعب» على الضمير المخفوض في «بينها». وقال الآخر :
هلّا سألت بذي الجماجم عنهم |
|
وأبي نعيم ذي اللّواء المحرق |
ف «أبي نعيم» : خفض بالعطف على الضمير المخفوض في «عنهم» ، فهذه كلها شواهد ظاهرة تدل على جوازه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه لا يجوز ؛ وذلك لأن الجار مع المجرور بمنزلة شيء واحد ، فإذا عطفت على الضمير المجرور ـ والضمير إذا كان مجرورا اتصل بالجار ، ولم ينفصل منه ، ولهذا لا يكون إلا متصلا ، بخلاف ضمير المرفوع والمنصوب ـ فكأنك قد عطفت الاسم على الحرف الجار ، وعطف الاسم على الحرف لا يجوز.
ومنهم من تمسك بأن قال : إنما قلنا ذلك ؛ لأن الضمير قد صار عوضا عن التنوين ، فينبغي ألّا يجوز العطف عليه ، كما لا يجوز العطف على التنوين ؛ والدليل على استوائهما أنهم يقولون : «يا غلام» فيحذفون الياء كما يحذفون التنوين ، وإنما اشتبها ؛ لأنهما على حرف واحد ، وأنهما يكملان الاسم ، وأنهما لا يفصل بينهما وبينه بالظرف ، وليس كذلك الاسم المظهر ومنهم من تمسك بأن قال : أجمعنا ـ