الثاني : أنّ الرّوايتين في سبب النزول تعارضتا ؛ فروي أنّ معقل كان يقول : فيّ نزلت هذه الآية ، وجابر كان يقول فيّ نزلت ، وإذا تعارضت الروايتان تساقطتا فبقي ما ذكرناه من التّمسك بنظم كلام الله ـ تعالى ـ سليما عن المعارض ، وفي هذا الاستدلال نظر ، ولا تعارض بين الخبرين ؛ لأن مدلولهما واحد.
واحتجوا أيضا بأن هذه الآية لو كانت خطابا مع الأزواج ، فلا تخلو إمّا أن تكون خطابا معهم قبل انقضاء العدّة ، أو بعد انقضائها.
والأول باطل ؛ لأنّ ذلك مستفاد من الآية الأولى ، فلما حملنا هذه الآية على هذا المعنى ، كان تكرارا من غير فائدة ، وأيضا فقد قال تعالى : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) فنهى عن العضل حال حصول التراضي ، ولا يحصل التراضي بالنكاح ، إلّا بعد التصريح بالخطبة ولا يجوز التصريح بالخطبة إلّا بعد انقضاء العدّة ، وقال تعالى : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) [البقرة : ٢٣٥].
والثاني ـ أيضا ـ باطل ؛ لأنّ بعد انقضاء العدّة ، ليس للزوج قدرة على عضل المرأة ، فكيف يصرف هذا النهي إليه؟!
ويمكن أن يجاب : بأن الرجل يمكن أن يكون بحيث يشتد ندمه على مفارقة المرأة ، بعد انقضاء عدّتها ، وتلحقه الغيرة ، إذا رأى من يخطبها ، وحينئذ يعضلها عن من ينكحها ، إمّا بأن يجحد الطلاق ، أو يدّعي أنه كان راجعها في العدّة ، أو يدس إلى من يخطبها بالتهديد والوعيد ، أو يسيء القول فيها : بأن ينسبها إلى أمور تنفّر الرجال عنها ، فنهى الله تعالى الأزواج عن هذه الأفعال ، وعرّفهم أن تركها أزكى ، وأطهر ، من دنس الآثام.
واحتجوا ـ أيضا ـ بقوله تعالى : (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) قالوا : معناه : ولا يمنعوهن أن ينكحن الذين كانوا أزواجا لهنّ قبل ذلك ، وهذا الكلام لا ينتظم إلّا إذا جعلنا الآية خطابا للأولياء.
ويمكن الجواب : بأنّ معنى قوله : (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) أن ينكحن من يردن أن يتزوّجنه ، فيكونون أزواجا لهن والعرب تسمي الشّيء بما يؤول إليه.
[وقيل : الخطاب فيهما للأولياء ، وفيه بعد ؛ من حيث إنّ الطلاق لا ينسب إليهم إلا بمجاز بعيد ، وهو أن جعل تسبّبهم في الطّلاق طلاقا] والفاء في (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) جواب «إذا».
والعضل : قيل : المنع ، ومنه : «عضل أمته» ، منعها من التزوّج ، يعضلها بكسر العين وضمّها ؛ قال ابن هرمز : [الوافر]