فسكنت الراء الأخيرة للجزم ، وقبلها راء ساكنة مدغمة فيها ، فالتقى ساكنان ؛ فحرّكنا الثانية لا الأولى ، وإن كان الأصل الإدغام ، وكانت الحركة فتحة ، وإن كان أصل التقاء الساكنين الكسر ؛ لأجل الألف ؛ إذ هي أخت الفتحة ، ولذلك لمّا رخّمت العرب «إسحارّ» وهو اسم نبات ، قالوا : «إسحار» بفتح الراء خفيفة ، لأنهم لمّا حذفوا الراء الأخيرة ، بقيت الراء الأولى ساكنة ، والألف قبلها ساكنة ؛ فالتقى ساكنان ، والألف لا تقبل الحركة ؛ فحرّكوا الثاني وهو الراء ، وكانت الحركة فتحة ؛ لأجل الألف قبلها ساكنة ، ولم يكسروا وإن كان الأصل ، لما ذكرنا من مراعاة الألف.
وقرأ الحسن بكسرها (١) مشدّدة ، على أصل التقاء السّاكنين ، ولم يراع الألف.
وقرأ أبو جعفر بسكونها مشدّدة ، كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، فسكّن ، وروي عنه وعن ابن هرمز : بسكونها مخففة ، وتحتمل هذه وجهين :
أحدهما : أن يكون من «ضار» «يضير» ، ويكون السكون لإجراء الوصل مجرى الوقف.
والثاني : أن يكون من ضارّ يضارّ بتشديد الراء ، وإنما استثقل تكرير حرف هو مكرر في نفسه ؛ فحذف الثاني منهما ، وجمع بين الساكنين ـ أعني الألف والراء ـ إمّا إجراء للوصل مجرى الوقف ، وإمّا لأنّ الألف قائمة مقام الحركة ، لكونها حرف مدّ.
وزعم الزمخشريّ «أنّ أبا جعفر إنما اختلس الضّمة ، فتوهّم الراوي أنه سكّن ، وليس كذلك» انتهى. وقد تقدّم شيء من ذلك عند (يَأْمُرُكُمْ) [البقرة : ٦٧] ونحوه.
ثم قراءة تسكين الرّاء : تحتمل أن تكون من رفع ، فتكون كقراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ، ويحتمل أن تكون من فتح ، فتكون كقراءة الباقين ، والأول أولى ؛ إذ التسكين من الضمة أكثر من التسكين من الفتحة ؛ لخفّتها.
وقرأ ابن عبّاس : بكسر الراء الأولى ، والفكّ ، وروي عن عمر بن الخطاب : «لا تضارر» بفتح الرّاء الأولى ، والفكّ ؛ وهذه لغة الحجاز ، أعني : [فكّ] المثلين فيما سكن ثانيهما للجزم أو للوقف ، نحو : لم نمرر ، وامرر ، وبنو تميم يدغمون ، والتنزيل جاء باللغتين نحو : (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) [المائدة : ٥٤] في المائدة ، قرئ في السّبع بالوجهين ، وسيأتي بيانه واضحا.
ثمّ قراءة من شدّد الراء : مضمومة أو مفتوحة ، أو مكسورة ، أو مسكّنة ، أو خفّفها تحتمل أن تكون الراء الأولى مفتوحة ، فيكون الفعل مبنيا للمفعول ، وتكون «والدة» مفعولا لم يسمّ فاعله ، وحذف الفاعل ؛ للعلم به ، ويؤيده قراءة عمر رضي الله عنه.
__________________
(١) انظر في هذه القراءات ، البحر المحيط ٢ / ٢٢٥ ، والدر المصون ١ / ٥٧١ ، ٥٧٢.