الخاطر ، كالشيء الشّاقّ أسقط عنه هذا الحرج ، وأباح له ذلك ، ثمّ قال : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) وهذا الاستدراك فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه استدراك من الجملة قبله ، وهي قوله : (سَتَذْكُرُونَهُنَّ) ؛ فإنّ الذّكر يقع على أنحاء كثيرة ، ووجوه متعددة ، فاستدرك منه وجه نهي فيه عن ذكر مخصوص ، ولو لم يستدرك ، لكان من الجائز ؛ لاندارجه تحت مطلق الذّكر ، وهو نظير : «زيد سيلقى خالدا ، ولكن [لا] يواجهه بشرّ» ، لمّا كانت أحوال اللقاء كثيرة ، من جملتها مواجهته بالشّرّ ، استدركت هذه الحالة من بينها.
والثاني : ـ قاله أبو البقاء (١) ـ : أنه مستدرك من قوله : (فِيما عَرَّضْتُمْ) وليس بواضح.
والثالث : ـ قاله الزمخشريّ ـ أنّ المستدرك منه جملة محذوفة قبل «لكن» تقديره : «فاذكروهنّ ، ولكن لا تواعدوهنّ سرّا» وقد تقدّم أنّ المعنى على الاستدراك من الجملة قبله ، فلا حاجة إلى حذف ؛ وإنما الذي يحتاجه ما بعد «لكن» وقوع ما قبلها من حيث المعنى ، لا من حيث اللفظ ؛ لأنّ نفي المواجهة بالشّرّ يستدعي وقوع اللقاء.
قوله : «سرّا» فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن يكون مفعولا ثانيا.
والثاني : أنه حال من فاعل «تواعدوهنّ» ، أي : لا تواعدوهنّ مستخفين بذلك.
والثالث : أنه نعت مصدر محذوف ، أي : مواعدة سرّا.
والرابع : أنه حال من ذلك المصدر المعرّف ، أي : المواعدة مستخفية.
والخامس : أن ينتصب على الظرف مجازا ، أي : في سرّ.
وعلى الأقوال الأربعة : فلا بدّ من حذف مفعول ، تقديره : لا تواعدوهنّ نكاحا.
والسّرّ : ضدّ الجهر ، وقيل : يطلق على الوطء ، وعلى الزّنا بخصوصيّة ؛ وأنشدوا للحطيئة: [الوافر]
١١٣٧ ـ ويحرم سرّ جارتهم عليهم |
|
ويأكل جارهم أنف القصاع (٢) |
وقول الآخر ـ هو الأعشى ـ : [الطويل]
١١٣٨ ـ ولا تقربنّ جارة إنّ سرّها |
|
حرام عليك فانكحن أو تأبّدا (٣) |
وقال الفرزدق : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٩.
(٢) ينظر ديوانه (٦٢) القرطبي ٣ / ١٩١ ، البحر ٢ / ٢٣٧ ، الدر المصون ١ / ٥٨٠.
(٣) تقدم برقم ١٠٧٤.