والثاني : أن تكون شرطية ، بمعنى «إن» نقله أبو البقاء (١). وليس بظاهر ؛ لأنه يكون حينئذ من باب اعتراض الشرط على الشرط ، فيكون الثاني قيدا في الأول ؛ نحو : «إن تأت إن تحسن إليّ أكرمك» أي : إن أتيت محسنا ، وكذا في الآية الكريمة : إن طلّقتموهنّ غير ماسّين لهنّ ، بل الظاهر : أنّ هذا القائل إنما أراد تفسير المعنى ؛ لأنّ «ما» الظرفية مشبّهة بالشرطيّة ، ولذلك تقتضي التعميم.
والثالث : أن تكون موصولة بمعنى «الّذي» ، وتكون للنساء ؛ كأنه قيل : إن طلّقتم النّساء اللّائي لم تمسّوهنّ ، وهو ضعيف ، لأنّ «ما» الموصولة لا يوصف بها ، وإن كان يوصف ب «الّذي» ، و «الّتي» ، وفروعهما.
وقرأ الجمهور : «تمسّوهنّ» ثلاثيّا وهي واضحة ؛ لأن الغشيان من فعل الرجل ؛ قال تعالى حكاية عن مريم (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) [مريم : ٢٠]. وقرأ حمزة (٢) والكسائيّ في الأحزاب «تماسّوهنّ» من المفاعلة ، فيحتمل أن يكون «فاعل» بمعنى «فعل» ك «سافر» ، فتوافق الأولى ، ويحتمل أن تكون على بابها من المشاركة ؛ كما قال تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) [المجادلة : ٣] ، وأيضا : فإنّ الفعل من الرجل والتمكين من المرأة ، ولذلك قيل لها زانية ، ورجّح الفارسيّ قراءة الجمهور ؛ بأنّ أفعال هذا الباب كلّها ثلاثيّة ؛ نحو : نكح ، فرع ، سفد ، وضرب الفحل.
قال تعالى : (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) [الرحمن : ٧٤] ، وقال : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) [النساء : ٢٥] ، وأمّا قوله في الظّهار : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) [المجادلة : ٣] فالمراد به المماسّة التي هي غير الجماع ، وهي حرام في الظهار.
قوله : «أو تفرضوا» فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه مجزوم عطفا على «تمسّوهنّ» ، و «أو» على بابها من كونها لأحد الشيئين ، قاله ابن عطيّة.
والثاني : أنه منصوب بإضمار «أن» عطفا على مصدر متوهّم ، و «أو» بمعنى «إلّا» ، التقدير : ما لم تمسّوهنّ إلا أن تفرضوا ؛ كقولهم : «لألزمنّك أو تقضيني حقّي» قاله الزمخشريّ.
والثالث : أنه معطوف على جملة محذوفة ، تقديره : «فرضتم أو لم تفرضوا» ، فيكون هذا من باب حذف الجزم وإبقاء عمله ، وهو ضعيف جدّا ، وكأنّ الذي حسّن هذا كون لفظ «لم» موجودا قبل ذلك.
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٩.
(٢) انظر : السبعة ١٨٣ ـ ١٨٤ ، والحجة ٢ / ٣٣٦ ، والعنوان ٧٤ ، وحجة القراءات ١٣٧ ـ ١٣٨ ، وشرح الطيبة ١٠٤ ـ ١٠٥ ، وشرح شعلة ٢٩١ ، وإتحاف ١ / ٤٤١.