وقال الواحديّ (١) : وأظهر التّضعيف مع الجزم ، ولسكون الحرف الثاني ، وهو أكثر في اللّغة من الإدغام.
و «منكم» متعلّق بمحذوف ؛ لأنّه حال من الضّمير المستكن في «يرتدد» ، و «من» للتّبعيض ، تقديره : ومن يرتدد في حال كونه كائنا منكم ، أي : بعضكم. و «عن دينه» متعلّق ب «يرتدد» ، و «فيمت» عطف على الشّرط ، والفاء مؤذنة بالتّعقيب.
«وهو كافر» جملة حالية من ضمير : «يمت» ، وكأنّها حال مؤكّدة ، ؛ لأنّها لو حذفت لفهم معناها ، لأنّ ما قبلها يشعر بالتّعقيب للارتداد ، وجيء بالحال هنا جملة ، مبالغة في التأكيد من حيث تكرّر الضّمير بخلاف ما لو جيء بها اسما مفردا.
وقوله : «فأولئك» جواب الشّرط.
قال أبو البقاء (٢) : و «من» في موضع مبتدأ ، والخبر هو الجملة التي هي قوله : (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ) ، وكان قد سلف له عند قوله : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) [البقرة : ٣٨] أن خبر اسم الشّرط هو فعل الشّرط لا جوابه ، وردّ على من يدّعي ذلك بما حكيته عنه ثمّة ، ويبعد منه توهّم كونها موصولة لظهور الجزم في الفعل بعدها ، ومثله لا يقع في ذلك.
و «حبط» فيه لغتان : كسر العين ـ وهي المشهورة ـ وفتحها ، وبها قرأ (٣) أبو السّمّال في جميع القرآن ، ورويت عن الحسن أيضا. والحبوط : أصله الفساد.
قال أهل اللّغة : أصل الحبط أن تأكل الإبل شيئا يضرّها ، فتعظم بطونها ، فتهلك. وفي الحديث : «وإنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا» (٤) ، وذلك أنّ الإبل تأكل من المرعى إلى أن تنتفخ بطنها ؛ فتموت البطن.
ومنه : «حبط بطنه» ، أي : انتفخ ، ومنه «رجل حبنطى» ، أي : منتفخ البطن.
وحمل أوّلا على لفظ «من» فأفرد في قوله : «يرتدد ، فيمت ، وهو كافر» وعلى معناها ثانيا في قوله : «فأولئك» إلى آخره ، فجمع ، وقد تقدّم أنّ مثل هذا التّركيب أحسن الاستعمالين : أعني الحمل أوّلا على اللّفظ ، ثمّ على المعنى. وقوله «في الدّنيا» متعلّق ب «حبطت».
وقوله (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) إلى آخره تقدّم إعراب نظيرتها. واختلفوا في هذه
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٣١.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٣.
(٣) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٩١ ، والبحر المحيط ٢ / ١٦٠ ، والدر المصون ١ / ٥٣٣.
(٤) أخرجه البخاري (٣ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤) كتاب الزكاة : باب الصدقة على اليتامى حديث (١٤٦٥) ومسلم (٢ / ٧٢٨) كتاب الزكاة : باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا حديث (١٢٢ / ١٠٥٢) من حديث أبي سعيد الخدري.