وذلك لأن الصّبح يدخل وقتها بطلوع الفجر المستطير ضوؤه ، ودخول الظهر بزوال الشّمس ، والمغرب بغروب القرص ، ودخول العشاء بمغيب الشّفق الأحمر ، لا جرم كانت الفضيلة فيها أكثر.
الثالث : أنّ الناس عند العصر يكونون مشغولين بمهماتهم ، فكان الإقبال عليها أشقّ.
الرابع : أنّها متوسطة بين صلاة نهاريّة ، وهي الظهر ، وصلاة ليليّة ، وهي المغرب ، وأيضا ، فهي متوسّطة بين صلاتين بالليل وصلاتين بالنهار.
فإن قيل : قد ثبت عن عائشة أنها قرأت : «وصلاة العصر».
فالجواب أن يقال : إن هذه قراءة شاذّة ، ولأنه ثبت عن خلق كثير في أحاديث صحيحة أنها العصر ورووها بغير واو ؛ فدل على أنّ الواو زائدة ، ولأنّ الراوي لا يجوز له أن يسقط من الحديث حرفا واحدا يتعلق به حكم شرعي.
أو يقال : هذا من باب عطف الخاصّ على العامّ ، أو من عطف الصفات ؛ لقولك : زيد الكريم والعالم.
والقول السادس : أنها صلاة المغرب ، وهو قول عبيدة السلماني وقبيصة بن ذؤيب (١) ، واحتجّوا بوجهين :
أحدهما : أنه بين بياض النّهار ، وسواد اللّيل ، وهذا المعنى وإن كان حاصلا في الصّبح ، إلّا أن المغرب ترجّح بوجوه أخر : وهي أنها أزيد من الرّكعتين ؛ كما في الصبح ، وأقلّ من الأربع ؛ كما في الظهر ، والعصر ، والعشاء ، فهي وسط في الطّول ، والقصر.
الوجه الثاني : أنّ صلاة الظهر تسمّى بالصلاة الأولى ، ولذلك ابتدأ جبريل بالإمامة فيها ، وإذا كان الظهر أوّل الصلوات ، كانت المغرب ، هي الوسطى ، لا محالة ، ولأنّ قبلها صلاة سرّ ، وبعدها صلاة جهر.
القول السابع : أنها العشاء ، قالوا : لأنها متوسّطة بين صلاتين لا تقصران : المغرب ، والصبح.
وعن عثمان بن عفّان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «من صلّى صلاة العشاء الآخرة في جماعة ، كان كقيام نصف ليلة» (٢).
قال القرطبي (٣) : وقال أبو بكر الأبهري : إن الوسطى صلاة الصّبح ، وصلاة العصر
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢١٤) عن قبيصة بن ذؤيب.
(٢) أخرجه مسلم كتاب المساجد رقم ٢٦٠ وأبو داود كتاب الصلاة باب ٤٩ وأحمد (١ / ٥٨ ، ٦٨) وأبو عوانة (٢ / ٤) وابن خزيمة (١٤٧٣) والبيهقي (١ / ٤٦٤ ، ٣ / ٦١) وعبد الرزاق (٢٠٠٨).
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٣٩.