والثاني : وجوب الاعتداد. ثم نسخ الله تعالى هذين الحكمين ، أمّا الوصية بالنفقة ، والسكنى ، فلثبوت ميراثها بالقرآن ، والسنة ، دلّت على أنّه لا وصيّة لوارث ، فصار مجموع القرآن والسنّة ناسخا لوجوب الوصيّة لها بالنفقة والسكنى في الحول.
أمّا وجوب العدة في الحول ، فنسخ بقوله : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤].
القول الثاني : وهو قول مجاهد : أنّ الله تعالى أنزل في عدّة المتوفى عنها زوجها آيتين :
إحداهما : قوله (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤] ، والأخرى هذه الآية ؛ فوجب تنزيل هاتين الآيتين على حالتين ، فنقول : إنّها إن لم تختر السّكنى في دار زوجها ، والأخذ من ماله ، وتركته ؛ فعدّتها هي الحول ، قال ابن الخطيب : وتنزيل (١) الآيتين على هذين التّقديرين أولى ؛ حتى يكون كل منهما معمولا به ، والجمع بين الدّليلين ، والعمل بهما أولى من اطراح أحدهما ، والعمل بالآخر.
القول الثالث : قال أبو مسلم الأصفهانيّ (٢) : معنى الآية : أنّ من يتوفّى منكم ، ويذرون أزواجا ، وقد وصّوا وصيّة لّأزواجهم ، بنفقة الحول ، وسكنى الحول ، فإن خرجن قبل ذلك ، وخالفن وصيّة أزواجهنّ ، بعد أن يقمن أربعة أشهر وعشرا ؛ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف ، أي : نكاح صحيح ؛ لأن إقامتهنّ بهذه الوصيّة غير لازمة.
قال (٣) : والسّبب : أنّهم كانوا في الجاهليّة يوصون بالنّفقة ، والسّكنى حولا كاملا ، وكان يجب على المرأة الاعتداد بالحول فبيّن الله تعالى في هذه الآية أنّ ذلك غير واجب ، وعلى هذا التّقدير ، فالنّسخ زائل ، واحتجّ على ذلك بوجوه :
أحدها : أنّ النّسخ خلاف الأصل ؛ فوجب المصير إلى عدمه ، بقدر الإمكان.
الثاني : أنّ النّاسخ يكون متأخّرا عن المنسوخ في النّزول ، وإذا كان متأخّرا عنه في النّزول ، يجب أن يكون متأخّرا عنه في التّلاوة ، وهو إن كان جائزا في الجملة إلّا أنّ قولنا يعدّ من سوء التّرتيب ، وتنزيه كلام الله واجب بقدر الإمكان ، ولمّا كانت هذه الآية متأخّرة عن تلك في التّلاوة ؛ كان الأولى ألّا يحكم بكونها منسوخة بتلك.
الثالث : أنّه ثبت عند الأصوليّين متى وقع التّعارض بين التّخصيص ، والنّسخ ، كان النّسخ أولى ، وهاهنا إن خصّصنا هاتين الآيتين بحالتين على ما هو قول مجاهد ؛ اندفع النّسخ ، فكان قول مجاهد أولى من التزام النّسخ من غير دليل ، وأمّا على قول أبي مسلم ، فيكون أظهر ؛ لأنكم تقولون : تقدير الآية : فعليهم وصيّة لأزواجهم ، أو تقديرها :
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٣٥.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : المصدر السابق.