والثاني : أنه جمع «آلف» على فاعل كشاهد وشهود ، وقاعد وقعود ، أي : خرجوا وهم مؤتلفون ، قال الزّمخشريّ : «وهذا من بدع التّفاسير».
قوله تعالى : (حَذَرَ الْمَوْتِ) أي من خوف الموت وهو مفعول من أجله ، وفيه شروط النّصب ، أعني المصدرية ، واتحاد الفاعل ، والزمان.
قوله : (ثُمَّ أَحْياهُمْ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على معنى : فقال لهم الله : موتوا ، لأنّه أمر في معنى الخبر تقديره : فأماتهم الله ثم أحياهم.
والثاني : أنه معطوف على محذوف ، تقديره : فماتوا ثم أحياهم بعد موتهم ، و «ثم» تقتضي تراخي الإحياء عن الإماتة. وألف «أحيا» عن ياء ؛ لأنّه من «حيي» ، وقد تقدّم تصريف هذه المادّة عند قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) [البقرة : ٢٦٥].
فصل
قال السّدّيّ وأكثر المفسرين (١) : «كانت قرية يقال لها : «داوردان» قيل واسط ، وقع بها الطّاعون ، فخرج عامّة أهلها ، وبقيت طائفة ، فهلك أكثر الباقين وبقي منهم بقيّة في المرض والبلاء ، فلما ارتفع الطّاعون ؛ رجع الّذين هربوا سالمين فقال من بقي من المرضى : هؤلاء أحزم منّا ، لو صنعنا كما صنعوا لنجونا ، ولئن وقع الطّاعون ثانية لنخرجنّ إلى أرض لا وباء فيها ، فوقع الطاعون من قابل ؛ فهرب عامّة أهلها ، وهم بضعة وثلاثون ألفا ؛ حتى نزلوا واديا أفيح فلمّا نزلوا المكان الذين يبتغون فيه النّجاة ، ناداهم ملك من أسفل الوادي ، وآخر من أعلاه : «أن موتوا» فماتوا جميعا وبليت أجسامهم ، فمرّ بهم نبيّ يقال له «حزقيل بن يوذي» : ثالث خلفاء بني إسرائيل ، بعد موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ، وذلك أن القيم بعد موسى بأمر بني إسرائيل يوشع بن نون ثم كالب بن يوفنا ، ثم حزقيل ، وكان يقال له : ابن العجوز ؛ لأنّه أمّه كانت عجوزا ، فسألت الله الولد بعد ما كبرت ، وعقمت ، فوهبه الله لها» (٢).
قال الحسن ، ومقاتل (٣) : هو ذو الكفل ، وسمّي : ذا الكفل ؛ لأنّه تكفّل بسبعين نبيّا ، وأنجاهم من القتل ، فلمّا مرّ حزقيل على أولئك الموتى ، وقف متفكّرا فيهم متعجّبا ، فأوحى الله إليه أتريد أن أريك آية؟ قال : نعم ، فقيل له : ناد! يا أيّها العظام إنّ الله يأمرك أن تجتمعي ، فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض ، حتى تمّت العظام ، ثم أوحى الله
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٢٣ ، وتفسير الفخر الرازي ٦ / ١٣٨.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٢٤.
(٣) ينظر : المصدر السابق.