الرّجل لغيره يريد تعريفه ابتداء : «ألم تر إلى ما جرى على فلان»؟.
قال القرطبيّ (١) : والمعنى عند سيبويه : تنبّه إلى أمر الذين ، ولا تحتاج هذه الرواية إلى مفعولين والمخاطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو كل سامع ، إلّا أنّه قد وقع الخطاب معه ابتداء كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) [الطلاق : ١] ويجوز أن يكون المراد بهذا الاستفهام : التعجب من حال هؤلاء ، وأكثر ما يرد كذلك : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً) [المجادلة : ١٤] (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [الفرقان : ٤٥] ؛ وقال الشّاعر : [الطويل]
١١٥١ ـ ألم تر أنّي كلّما جئت طارقا |
|
وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب (٢) |
والرّؤية هنا علميّة ، فكان من حقّها أن تتعدّى لاثنين ، ولكنّها ضمّنت معنى ما يتعدّى بإلى.
والمعنى : ألم ينته علمك إلى كذا. وقال الرّاغب (٣) : «رأيت : يتعدّى بنفسه دون الجارّ ، لكن لما استعير قولهم : «ألم تر» بمعنى ألم تنظر ؛ عدّي تعديته ، وقلّما يستعمل ذلك في غير التقدير ، لا يقال : رأيت إلى كذا».
وقرأ السّلمي : «تر» بسكون الرّاء ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنه توهّم أنّ الراء لام الكلمة ، فسكّنها للجزم ؛ كقوله : [الرجز]
١١٥٢ ـ قالت سليمى اشتر لنا سويقا |
|
واشتر فعجّل خادما لبيقا (٤) |
وقيل : هي لغة قوم ، لم يكتفوا في الجزم بحذف حرف العلّة.
والثاني : أنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، وهذا أولى ، فإنّه كثير في القرآن ؛ نحو : «الظّنونا» ، و «الرّسولا» ، و «السّبيلا» ، و «لم يتسنّه» ، و «بهداهم اقتده» وقوله : «ونصله» ، و «نؤته» ، و «يؤدّه» ، وسيأتي ذلك ، إن شاء الله تعالى.
قوله : «وهم ألوف» مبتدأ وخبر ، وهذه الجملة في [موضع] نصب على الحال ، وهذا أحسن مجيئها ، إذ قد جمع فيها بين الواو والضمير ، و «ألوف» فيه قولان :
أظهرهما : أنه جمع «ألف» لهذا العدد الخاصّ ، وهو جمع الكثرة ، وجمع القلّة : آلاف كحمول ، وأحمال.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٥١.
(٢) البيت لامرئ القيس ينظر ديوانه ص ٤١ ، الأشباه والنظائر ٨ / ٨٥ ، والخصائص ٣ / ٢٨١ ، والدر المصون ١ / ٥٩٢.
(٣) ينظر : المفردات للراغب ١٨٨.
(٤) تقدم برقم ٥٠٠.