قوله تعالى : «من بني» فيه وجهان :
أحدهما : أنّه صلة للملأ على مذهب الكوفيين ؛ لأنهم يجعلون المعرّف بأل موصولا ؛ وينشدون : [الطويل]
١١٥٩ ـ لعمري لأنت البيت أكرم أهله |
|
وأقعد في أفيائه بالأصائل (١) |
و «من بعد موسى» متعلّق بما تعلّق [به] الجارّ الأول ، وهو الاستقرار ، ولا يضرّ اتحاد الحرفين لفظا لاختلافهما معنى ، فإنّ الأولى للتبعيض والثانية لابتداء الغاية. وقال أبو البقاء (٢) : «من بعد» متعلّق بالجار الأول ، أو بما تعلّق به الأول يعني بالأول : «من بني» ، وجعله عاملا في : «من بعد» لما تضمنّه من الاستقرار ، فلذلك نسب العمل إليه ، وهذا على رأي بعضهم ، ينسب العمل للظرف والجارّ الواقعين خبرا أو صفة أو حالا أو صلة ، فتقول في نحو : «زيد في الدار أبوه» أبوه : فاعل بالجارّ ، والتحقيق أنه فاعل بالاستقرار الذي تعلّق به الجارّ ، وهو الوجه الثاني. وقدّر أبو البقاء (٣) مضافا محذوفا.
تقديره : من بعد موت موسى ، ليصحّ المعنى بذلك.
قوله : «إذ قالوا» العامل في هذا الظرف أجازوا فيه وجهين :
أحدهما : أنه العامل في «من بعد» لأنّه بدل منه ، إذ هما زمانان ، قاله أبو البقاء (٤) : والثاني : أنه «ألم تر» قال شهاب الدين وكلاهما غير صحيح.
أمّا الأول فلوجهين :
أحدهما من جهة اللفظ والآخر من جهة المعنى. فأمّا الذي من جهة اللفظ فإنه على تقدير إعادة «من» و «إذ» لا تجرّ ب «من». الثاني : أنه ولو كانت «إذ» من الظروف التي تجرّ ب «من» وقت وحين لم يصحّ [ذلك أيضا لأنّ العامل في «من بعد» محذوف فإنه حال تقديره : كائنين من بعد ، ولو قلت : كائن من حين قالوا لنبيّ لهم ابعث لنا ملكا لم يصحّ] هذا المعنى.
وأمّا الثاني فلأنه تقدّم أن معنى «ألم تر» تقرير للنفي ، والمعنى : ألم ينته علمك ، أو قد نظرت إلى الملأ وليس انتهاء علمه إليهم ولا نظره إليهم كان في وقت قولهم ذلك ، وإذا لم تكن ظرفا للانتهاء ولا للنظر فكيف تكون معمولا لهما أو لأحدهما؟
وإذ قد بطل هذان الوجهان فلا بدّ له من عامل يصحّ به المعنى وهو محذوف ، تقديره : ألم تر إلى قصة الملأ أو حديث الملأ أو ما في معناه ؛ وذلك لأنّ الذوات لا يتعجّب منها ، إنما يتعجّب من أحداثها ، فصار المعنى : ألم تر إلى ما جرى للملأ من بني إسرائيل إلى آخرها ، فالعامل هو ذلك المجرور ، ولا يصحّ المعنى إلا به لما تقدّم.
__________________
(١) تقدم برقم ١٠٧٣.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٣.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٣.
(٤) ينظر : المصدر السابق.