اسم فاعلها ، وكذلك حكاه أبو البقاء (١) أيضا عن ابن الأعرابي ، وقد نصّ النحاة على أن «عسى» لا تتصرّف.
واعلم أنّ مدلول «عسى» إنشاء لأنها للترجي أو للإشفاق ، فعلى هذا : فكيف دخلت عليها «هل» التي تقتضي الاستفهام؟ فالجواب أن الكلام محمول على المعنى ، قال الزمخشري : «والمعنى : هل قاربتم ألّا تقاتلوا ، يعني : هل الأمر كما أتوقّعه أنكم لا تقاتلون ، أراد أن يقول : عسيتم ألا تقاتلوا ، بمعنى أتوقّع جبنكم عن القتال ، فأدخل «هل» مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون ، وأراد بالاستفهام التقرير ، وثبت أنّ المتوقّع كائن وأنه صائب في توقعه ؛ كقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الإنسان : ١] معناه التقرير» وهذا من أحسن الكلام ، وأحسن من قول من زعم أنها خبر لا إنشاء ؛ مستدلا بدخول الاستفهام عليها ؛ وبوقوعها خبرا ل «إنّ» في قوله : [الرجز]
١١٦٠ ـ لا تكثرن إنّي عسيت صائما (٢)
وهذا لا دليل فيه ؛ لأنه على إضمار القول ؛ كقوله : [البسيط]
١١٦١ ـ إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم |
|
لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما (٣) |
ولذلك لا توصل بها الموصولات ؛ خلافا لهشام.
قوله : (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ) هذه الواو رابطة لهذا الكلام بما قبله ، ولو حذفت لجاز أن يكون منقطعا ممّا قبله. و «ما» في محلّ رفع بالابتداء ، ومعناها الاستفهام ، وهو استفهام إنكار. و «لنا» في محلّ رفع خبر ل «ما».
و (أَلَّا نُقاتِلَ) فيه ثلاثة أوجه.
أظهرها : أنّها على حذف حرف الجرّ وهو قول الكسائي والتقدير : وما لنا في ألّا نقاتل ، أي : في ترك القتال ، ثم حذفت «في» مع «أن» فجرى فيها الخلاف المشهور بين الخليل وسيبويه : أهي في محلّ جر أم نصب؟ وهذا الجارّ يتعلّق بنفس الجارّ الذي هو «لنا» ، أو بما يتعلّق هو به على حسب ما تقدّم في «من بعد موسى» (٤).
قال البغوي (٥) : فإن قيل : فما وجه دخول «أن» في هذا الموضع ، والعرب لا
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٣.
(٢) البيت لأبي مكعت ينظر أمالي ابن الشجري ١ / ٢١٢ ، الهمع ١ / ١٣٥ المغني ٢ / ٥٨٥ ، الدرر ١ / ١١٢ ، التصريح ١ / ٥٩٨ ، الخزانة ١٠ / ٢٤٩ ، الدر المصون ١ / ٥٩٩.
(٣) البيت لأبي مكعت أخي بني سعد بن مالك في خزانة الأدب ١٠ / ٢٤٧ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، والدرر ٢ / ١٧٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٤ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٨٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٥. والدر المصون ١ / ٥٩٩.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٢٧.
(٥) انظر : البحر المحيط ٢ / ٢٦٥ ، والدر المصون ١ / ٦٠٠.