تقول ما لك ألّا تفعل ، وإنما يقال : ما لك لا تفعل؟ قيل : دخول «أن» وحذفها لغتان صحيحتان ، فالإثبات كقوله تعالى : (ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [الحجر : ٣٢] ، والحذف كقوله تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [الحديد : ٨] وقال الفراء : الكلام هاهنا محمول على المعنى ؛ لأن قولك : ما لك لا تقاتل؟ معناه : ما يمنعك أن تقاتل ، فلما كان معناه المنع حسن إدخال «أن» فيه كقوله (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) [ص : ٧٥] وقوله : (أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [الحجر : ٣٢] ورجح الفارسي قول الكسائي على قول الفراء.
قال : لأن على قول الفراء لا بد من إضمار حرف الجر تقديره ما يمنعنا من أن نقاتل فإذا كان لا بد من إضمار حرف الجر على القولين ، فعلى قول الكسائي يبقي الإضمار على ظاهره وعلى قول الفراء لا يبقى ، فكان قول الكسائي أولى.
الثاني : مذهب الأخفش أنّ «أن» زائدة ، ولا يضرّ عملها مع زيادتها ، كما لا يضرّ ذلك في حروف الجر الزائدة ، وعلى هذا فالجملة المنفيّة بعدها في محلّ نصب على الحال ، كأنه قيل : ما لنا غير مقاتلين ، كقوله : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح : ١٣] (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ) [المائدة ٨٤] وقول العرب : «ما لك قائما» ، وقول الله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩] وهذا المذهب ضعيف لأنّ الأصل عدم الزيادة ، فلا يصار إليها دون ضرورة.
الثالث : ـ وهو أضعفها ـ وهو مذهب الطبري أنّ ثمّ واوا محذوفة قبل قوله : «أن لا نقاتل». قال : «تقديره : وما لنا ولأن لا نقاتل ، كقولك : إياك أن تتكلّم ، أي : إياك وأن تتكلم ، فحذفت الواو» وهذا كما ترى ضعيف جدا. وأمّا قوله : إنّ قولهم إياك أن تتكلم على حذف الواو ؛ فليس كما زعم ، بل «إياك» ضمّنت معنى الفعل المراد به التحذير ، و «أن تتكلم» في محلّ نصب به تقديره : احذر التكلم.
قوله : (وَقَدْ أُخْرِجْنا) هذه الجملة في محلّ نصب على الحال ، والعامل فيها : «نقاتل» ، أنكروا ترك القتال وقد التبسوا بهذه الحال. وهذه قراءة الجمهور ، أعني بناء الفعل للمفعول.
وقرأ عمرو (١) بن عبيد : «أخرجنا» على البناء للفاعل. وفيه وجهان :
أحدهما : أنه ضمير الله تعالى ، أي : وقد أخرجنا الله بذنوبنا.
والثاني : أنه ضمير العدوّ.
«وأبنائنا» عطف على «ديارنا» أي : ومن أبنائنا ، فلا بدّ من حذف مضاف تقديره :
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٣.