يفعل بكسر العين ، وإنما منع ذلك في «يسع» كون لامه حرف حلق ، ففتح عين مضارعه لذلك ، وإن كان أصلها الكسر ، فمن ثم قلنا : بين ياء وكسرة [مقدرة ، والدّليل على ذلك أنّهم قالوا : وجل يوجل فلم يحذفوها لمّا كانت الفتحة أصلية غير عارضة ، بخلاف فتحة «يسع» و «يهب» وبابهما.
فإن قيل : قد رأيناهم يحذفون هذه الواو ، وإن لم تقع بين ياء وكسرة] ، وذلك إذا كان حرف المضارعة همزة نحو : «أعد» ، أو تاء نحو : «تعد» أو نونا نحو : «نعد» ، وكذلك في الأمر والمصدر نحو : «عد عدة حسنة».
فالجواب أنّ ذلك بالحمل على المضارع مع الياء طردا للباب ، كما تقدّم لنا في حذف همزة أفعل ، إذا صار مضارعا لأجل همزة المتكلّم ، ثم حمل باقي الباب عليه. وفتحت سين «السّعة» لمّا فتحت في المضارع لأجل حرف الحلق ، كما كسرت عين «عدة» لمّا كسرت في «يعد» إلا أنّه يشكل على هذا : وهب يهب هبة ، فإنهم كسروا الهاء في المصدر ، وإن كانت مفتوحة في المضارع لأجل أنّ العين حرف حلق ، فلا فرق بين «يهب» ، و «يسع» في كون الفتحة عارضة والكسرة مقدرة ، ومع ذلك فالهاء مكسورة في «هبة» ، وكان من حقّها الفتح لفتحها في المضارع ك «سعة».
و «من المال» فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلق بيؤت.
والثاني : أنه متعلق بمحذوف لأنه صفة لسعة ، أي : سعة كائنة من المال.
فصل
اعلم أنّه تعالى لما بيّن في الآية الأولى أنّه لمّا أجابهم إلى سؤالهم تولّوا ، بيّن في هذه الآية أنّ أوّل تولّيهم إنكارهم إمرة طالوت ، وذلك أنّهم لمّا طلبوا من نبيّهم أن يطلب من الله أن يعيّن لهم ملكا ؛ فأجابهم : بأنّ الله قد بعث لكم طالوت ملكا ، أظهروا التّولي عن طاعة الله ، وأعرضوا عن حكمه ، وقالوا : «أنّى يكون له الملك علينا» ، واستبعدوا ذلك.
قال المفسّرون (١) : وسبب هذا الاستبعاد : أنّ النّبوّة كانت مخصوصة بسبط معيّن من أسباط بني إسرائيل ، وهم سبط لاوي بن يعقوب ، ومنه «موسى وهارون» وسبط المملكة سبط «يهوذا» ، ومنه «داود ، وسليمان» و «طالوت» لم يكن من أحد هذين السّبطين ، بل كان من ولد «بنيامين» فلهذا السّبب ؛ أنكروا كونه ملكا عليهم ، وزعموا أنّهم أحقّ بالملك منه ، ثمّ أكدوا هذه الشّبهة بشبهة أخرى وهي قولهم : «ولم يؤت سعة من المال» ، أي : فقير.
__________________
(١) انظر : المصدر السابق.