وفي تسميتها «خمرا» أربعة أقوال :
أشهرها : أنّها سمّيت بذلك ؛ لأنها تخمر العقل ، أي : تستره ، ومنه : خمار المرأة لستره وجهها ، والخمر : ما واراك من شجر ، وغيره من وهدة ، وأكمة ، والخامر هو الذي يكتم شهادته ؛ [و : «خامري حضاجر ، أتاك ما تحاذر» يضرب للأحمق ، وحضاجر : علم للضبع ، أي : استتر عن النّاس ، ودخل في خمار النّاس ، وغمارهم].
ومنه يقال : «أخمرت الأرض» كثر خمرها ـ بفتح الميم ـ الشّجر الملتفّ.
قال : [الوافر]
١٠٦٥ ـ ألا يا زيد والضّحّاك سيرا |
|
فقد جاوزتما خمر الطّريق (١) |
أي : ما يستركما من شجر وغيره ، وقال العجّاج يصف مسير جيش طاهر بن أبان: [الرجز]
١٠٦٦ ـ في لامع العقبان لا يمشي الخمر (٢)
والثاني : لأنّها تغطّى حتّى تدرك وتشتدّ ، فهو من التّغطية ومنه «خمّروا آنيتكم».
والثالث : ـ قال ابن الأنباري من المخالطة ـ لأنّها تخامر العقل ، أي : تخالطه ، يقال : خامره الدّاء ، أي : خالطه.
وأنشد لكثير : [الطويل]
١٠٦٧ ـ هنيئا مريئا غير داء مخامر |
|
..........(٣) |
ويقال : خامر السّقام كبده. فهذه الاشتقاقات دالّة على أن الخمر ما يكون ساترا للعقل ، كما سمّيت مسكرا ؛ لأنّها تسكر العقل أي : تحجزه.
والرابع : لأنّها تترك حتى تدرك ، ومنه : «اختمر العجين» أي : بلغ إدراكه ، وخمر الرّأي ، أي : تركه ، حتّى ظهر له فيه وجه الصّواب ، وهي أقوال متقاربة. وعلى هذه الأقوال تكون الخمر في الأصل مصدرا مرادا به اسم الفاعل واسم المفعول.
__________________
(١) ينظر لسان العرب (خمر) ، والدرر د / ١٦٨ ، وشرح المفصل ١ / ١٢٩ ، وشرح قطر الندى ص ٢١٠ ، والأزهية ص ١٦٥ ، واللمع ص ١٩٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤٢. والدر المصون ١ / ٥٣٥.
(٢) ينظر ديوانه ١ / ٣٨ ، والطبري ٤ / ٣٢١ ، القرطبي ٣ / ٥١ ، الدر المصون ١ / ٥٣٥.
(٣) صدر بيت وعجزه :
لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
ينظر ديوانه ١ / ٤٩ ، والأمالي الشجرية ١ / ١٦٥ ، والبحر المحيط ٣ / ١٧٦ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٩٦ ومجمع الأمثال للميداني ٢ / ٣٨٧ (٤٤٩٤) ، وتهذيب اللغة (خمر) ، والرازي ٦ / ٣٧ ، والدر المصون ٢ / ٣٠٨.