ردّ عليّ الوديعة. فقال له صاحبه : ما أعرف لك عندي من وديعة ، فإن كنت صادقا فتناول السلسلة ، فقام صاحب الجوهرة ، فتناولها بيده. فقيل للمنكر قم أنت ، فتناولها.
فقال لصاحب الجوهرة : خذ عكّازي هذا ، فاحفظها حتى أتناول السّلسلة ، فأخذها فقال الرجل : «اللهم إن كنت تعلم أنّ هذه الوديعة التي يدّعيها ، قد وصلت إليه فقرب مني السّلسلة ، فمد يده فتناولها ، فتعجب القوم ، وشكّوا فيها ، فأصبحوا وقد رفع الله السّلسلة.
قوله (مِمَّا يَشاءُ) : فاعل ، «يشاء» ضمير الله تعالى.
وقيل : ضمير داود ، والأول أظهر.
قوله : «ولو لا دفع» ؛ قرأ (١) نافع هنا ، وفي الحج : «دفاع» ، والباقون : «دفع». فأمّا «دفع» ، فمصدر «دفع» «يدفع» ثلاثيا ، وأمّا «دفاع» فيحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون مصدر «دفع» الثلاثيّ أيضا ، نحو : كتب كتابا ، وأن يكون مصدر «دافع» ؛ نحو : قاتل قتالا ؛ قال أبو ذؤيب : [الكامل]
١١٧٠ ـ ولقد حرصت بأن أدافع عنهم |
|
فإذا المنيّة أقبلت لا تدفع (٢) |
قالوا وفعال كثيرا يجيء مصدرا للثلاثي من فعل وفعل ، تقول : جمح جماحا وطمح طماحا وتقول لقيته لقاء ، وقمت قياما ، وأن يكون مصدر لدفع تقول : دفعته ، دفعا ، ودفاعا نحو : قتل قتلا وقتالا.
و «فاعل» هنا بمعنى فعل المجرد ، فتتّحد القراءتان في المعنى ويحتمل أن يكون من المفاعلة ، والمعنى أنه سبحانه إنّما يكفّ الظّلمة ، والعصاة عن ظلم المؤمنين على أيدي أنبيائه ، ورسله ، وأئمة دينه ، وكان يقع بين أولئك المحقين ، وأولئك المبطلين مدافعات ومكافحات ، فحسن الإخبار عنه بلفظ المدافعة كقوله تعالى : (يُحارِبُونَ اللهَ) [المائدة : ٣٣] و (شَاقُّوا اللهَ) [الأنفال : ١٣] ونظائره كثيرة.
ومن قرأ «دفاع» ، وقرأ في الحجّ (يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج : ٣٨] أو قرأ «دفع» ، وقرأ «يدفع» ـ وهما أبو عمرو وابن كثير ـ فقد وافق أصله ، فجاء بالمصدر على وفق الفعل ، وأمّا من قرأ هنا : «دفع» ، وفي الحجّ «يدافع» ، وهم الباقون ، فقد جمع بين اللّغتين ، فاستعمل الفعل من الرّباعي والمصدر من الثلاثي. والمصدر هنا مضاف لفاعله وهو الله تعالى ، و «النّاس» مفعول أول ، و «بعضهم» بدل من «الناس» بدل بعض من كلّ.
__________________
(١) انظر : السبعة ١٨٧ ، والحجة ٢ / ٣٥٢ ، وحجة القراءات ١٤٠ ، والعنوان ٧٤ ، وإعراب القراءات السبع ١ / ٩١ ، وشرح الطيبة ٤ / ١١٤ وشرح شعلة ٢٩٣ ، وإتحاف ١ / ٤٤٦.
(٢) ينظر : ديوان الهذليين ١ / ٢ ، البحر ٢ / ٢٧٨ ، الدر المصون ١ / ٦٠٨.