فقال له داود : ما تصنعون بمن يقتل هذا الأقلف؟
فقال طالوت : أنكحه ابنتي ، وأعطيه نصف ملكي ، فقال داود : فأنا أخرج إليه ؛ وكانت عادته أنه يقاتل الأسد والذّيب بالمقلاع في المرعى ، وكان طالوت عارفا بجلادته ، فلما همّ داود بالخروج إلى جالوت ، مرّ بثلاثة أحجار فقلن : يا داود ، خذنا معك ففينا منيّة جالوت ، ثمّ لما خرج إلى جالوت ، رماه ، فأصابه في صدره ونفذ الحجر فيه ، وقتل بعده ناسا كثيرة ، فهزم الله جنود جالوت ، وقتل داود جالوت (١) وهو داود بن إيشى بكسر الهمزة. وقيل داود بن زكريّا بن مرشوى من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وكان من أهل بيت المقدس ، فحسده طالوت ، وأخرجه من مملكته ، ولم يف له بوعده ، ثم ندم على صنعه ، فذهب يطلبه إلى أن قتل ، وملك داود ، وحصلت له النّبوّة ، وهو المراد من قوله : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ) هو العلم مع العمل والحكمة : هي وضع الأمور موضعها على الصّواب ، والصّلاح.
قوله : (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ ...).
قال الكلبيّ وغيره : «صنعة (٢) الدّروع».
قال تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) [سبأ : ١٠ ـ ١١] وقيل : منطق الطّير والنّمل ، وقيل الزّبور ، وعلم الدّين ، وكيفية الحكم ، والفصل.
قال تعالى : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) [الأنبياء : ٧٩].
وقيل : الألحان الطّيّبة. قيل كان إذا قرأ الزّبور ؛ تدنو الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها ، وتظله الطّير مصغية له ، ويركد الماء الجاري ، وتسكن الرّيح.
وروى الضّحّاك (٣) عن ابن عباس : هو أنّ الله تعالى أعطاه سلسلة موصولة بالمجرّة ، ورأسها عند صومعته ، وقوّتها قوّة الحديد ، ولونها لون النّار وحلقها مستديرة مفصلة بالجواهر ، مدسّرة بقضبان اللّؤلؤ الرطب ، فلا يحدث في الهواء حدث إلّا صلصلت السلسلة ، فيعلم داود ذلك الحدث ، ولا يمسّها ذو عاهة إلّا برأ ، فكانوا يتحاكمون إليها بعد داود إلى أن رفعت فمن تعدّى على صاحبه ، وأنكر حقه أتى إلى السّلسلة ، فمن كان صادقا مدّ يده إلى السّلسلة ، فنالها ، ومن كان كاذبا ، لم ينلها ، وكانت كذلك إلى أن ظهر فيهم المكر والخديعة ، فبلغنا أن بعض ملوكهم أودع رجلا جوهرة ثمينة ، فلما استردّها أنكرها فتحاكما إلى السلسلة فعمد الذي عنده الجوهرة إلى عكّازه ، فنقرها وضمنها الجوهرة ، واعتمد عليها حتى حضروا السلسلة ، فقال صاحب الجوهرة :
__________________
(١) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٦ / ١٥٩) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٣٥.
(٣) ينظر : المصدر السابق.