الرابع : أنّ معجزات سائر الأنبياء قد ذهبت ، ومن بعض معجزاته ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ القرآن ، وهو باق إلى آخر الدّهر.
الخامس : قوله تعالى بعد ذكر الأنبياء : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] فأمر محمدا بالاقتداء بهم ، وليس هو الاقتداء في أصول الدين ؛ لأن شرعه نسخ سائر الشّرائع ، فلم يبق إلا أن يكون الاقتداء في محاسن الأخلاق ، فكأنه تعالى قال : إنّي أطلعتك على أحوالهم وسيرهم ، فاختر أنت أجودها ، وأحسنها. فمقتضى ذلك أنه اجتمع فيه من الخصال ما كان متفرقا فيهم ، فوجب أن يكون أفضل منهم.
السادس : أنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بعث إلى الخلق كلهم ، فوجب أن يكون مشقتة أكثر من بعث إلى بعضهم ، فإذا كانت مشقته أكثر كان أجره أكثر ، فوجب أن يكون أفضل.
السابع : أن دين محمّد أفضل الأديان ؛ فيلزم أن يكون محمد صلىاللهعليهوسلم أفضل الأنبياء.
بيان الأول : أنّ الله تعالى جعل دينه ناسخا لسائر الأديان ، والنّاسخ أفضل من المنسوخ ، قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١١٠]. وإنّما نالت الأمة هذه الفضيلة لمتابعة النبي صلىاللهعليهوسلم وفضيلة التابع توجب فضيلة المتبوع.
الثامن : قال صلىاللهعليهوسلم : «آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة» (١) وذلك يدل على أنه أفضل من آدم ، ومن كل أولاده ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «أنّا سيّد ولد آدم ولا فخر» (٢). وقال صلىاللهعليهوسلم : «لا يدخل الجنّة أحد النّبيّين حتّى أدخلها أنا ، ولا يدخلها أحد من الأمم حتّى تدخلها أمّتي» وروى أنس أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا ، وأنا خطيبهم إذا وفدوا ، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا ، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي ولا فخر» (٣).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : جلس ناس من الصّحابة يتذاكرون فسمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حديثهم فقال بعضهم : عجبأ إنّ الله اتخذ إبراهيم خليلا ، وقال آخر : ما ذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليما ، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه. وقال آخر :
__________________
(١) أخرجه أحمد (١ / ٢٨١ ، ٢٩٥) وأبو داود الطيالسي في «مسنده» (٢ / ٢٢٦ ـ منحة) رقم (٢٧٩٨) وأبو يعلى (٤ / ٢١٥ ـ ٢١٦) رقم (٢٣٢٨) وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣) وقال : وفيه علي بن زيد وقد وثق على ضعفه وبقية رجالهما رجال الصحيح.
وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري :
أخرجه الترمذي (٥ / ٢٨٨) رقم (٣١٤٨) وابن ماجه كتاب الزهد باب ذكر الشفاعة.
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح. وله شاهد من حديث عبد الله بن سلام :
أخرجه ابن حبان (٨ / ١٣٧) رقم (٦٤٤٤) وأبو يعلى (٧٤٩٣).
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه الترمذي (٥ / ٥٨٥) رقم (٣٦١٠) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٥ / ٤٨٤).