الوجوه عند السائل ، والمسؤول ؛ نحو قولك : كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب؟ ونحو هذا : ومتى قلت : كيف ثوبك؟ وكيف زيد؟ فإنّما للسؤال عن حال من أحواله ، وقد تكون «كيف» خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف ، نحو قولك : كيف شئت فكن ، ونحو قول البخاريّ : «كيف كان بدء الوحي» ، و «كيف» في هذه الآية إنّما هي استفهام عن هيئة الإحياء ، والإحياء متقرّر ، ولكن لمّا وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء ، قد يعبرون عن إنكاره بالاستفهام عن حالة ذلك الشيء ، يعلم أنها لا تصح ؛ فيلزم من ذلك أنّ الشيء في نفسه لا يصحّ ؛ مثاله أن يقول مدّع أنا أرفع هذا الجبل ، فيقول المكذّب له : أرني كيف ترفعه فهذه طريقة مجاز في العبارة ، ومعناها تسليم جدلي ، كأنه يقول : افرض أنّك ترفعه ، فأرني كيف ترفعه فلما كان في عبارة الخليل ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ هذا الاشتراك المجازي ، خلص الله له ذلك ، وحمله على أن بيّن له الحقيقة ، فقال له : «أو لم تؤمن؟ قال : بلى» فكمل الأمر ، وتخلص من كلّ شكّ.
فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى لم يسمّ عزيرا ، بل قال : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) ، وهاهنا سمّى إبراهيم ، مع أنّ المقصود في كلتا القصّتين شيء واحد؟!
فالجواب (١) : قال ابن الخطيب ـ رحمهالله ـ : والسبب فيه : أنّ عزيرا لم يحفظ الأدب ، بل قال (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) ولذلك جعل الإحياء ، والإماتة في نفسه ، وإبراهيم ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصّلاة والسّلام ـ حفظ الأدب ، وراعاه ؛ فقال أوّلا «ربّ» ، ثمّ دعا فقال : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) ولذلك جعل الإحياء ، والإماتة في الطيور.
قوله : (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) في هذه الواو وجهان :
أظهرهما : أنها للعطف قدّمت عليها همزة الاستفهام ، لأنها لها صدر الكلام والهمزة هنا للتقرير ؛ لأنّ الاستفهام إذا دخل على النفي ، قرّره ؛ كقول القائل : [الوافر]
١٢١١ ـ ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح (٢) |
و (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] ، المعنى : أنتم خير ، وقد شرحنا.
والثاني : أنها واو الحال ، دخلت عليها ألف التقرير ، قاله ابن عطية ؛ وفيه نظر من حيث إنها إذا كانت للحال ، كانت الجملة بعدها في محلّ نصب ، وإذا كانت كذلك ، استدعت ناصبا ، وليس ثمّ ناصب في اللفظ ، فلا بدّ من تقديره ؛ والتقدير «أسألت ولم تؤمن» ، فالهمزة في الحقيقة ، إنما دخلت على العامل في الحال. وهذا ليس بظاهر ، بل الظاهر الأوّل ، ولذلك أجيبت ببلى ، وعلى ما قال ابن عطية يعسر هذا المعنى.
وقوله : «بلى» جواب للجملة المنفيّة ، وإن صار معناه الإثبات اعتبارا باللفظ لا
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٣.
(٢) تقدم برقم (٣٥٧).