عيسى يحيي الموتى بدعائه ، ومعنى «ليطمئنّ قلبي» على أني لست أقلّ منزلة من عيسى ، أو أنّه سارع في الطّاعة بذبح ولده ، كأنه قال أمرتني أن أجعل ذا روح بلا روح ، ففعلت ، فأنا أسألك أن تجعل غير ذي روح روحانيّا ؛ ليطمئن قلبي بإجابتك ، أو أنّ المعنى أرني كيف يكون الحشر يوم القيامة؟ أي : ليطمئنّ قلبي بهذا التشريف أو يكون قصّة سماع الكلام ، لا نفس الإحياء](١).
قال ابن الخطيب (٢) : وهاهنا سؤال صعب ، وهو أنّ الإنسان حال حصول العلم له إمّا أن يكون مجوّزا لنقيضه أو لا.
فإن جوّز نقيضه بوجه من الوجوه ، فذلك ظنّ قويّ لا اعتقاد جازم ، وإن لم يجوّز نقيضه بوجه من الوجوه ، امتنع وقوع التفاوت في المعلوم.
وهذا الإشكال إنما يتوجّه إذا قلنا : المطلوب هو حصول الطمأنينة في اعتقاد قدرة الله تعالى على الإحياء ، أمّا إذا قلنا : المقصود شيء آخر ، فالسؤال زائل.
روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «نحن أولى بالشّكّ من إبراهيم ، إذ قال : ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي ورحم الله لوطا ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السّجن طول ما لبث يوسف لأجبت الدّاعي» (٣) وأخرج مسلم بن الحجّاج هذا الحديث عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب مثله. وقال : نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم إذ قال ربّ أرني كيف تحيي الموتى».
حكى محمد بن إسحاق بن خزيمة عن أبي إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى المزني أنه قال على هذا الحديث : لم يشكّ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولا إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أنّ الله قادر على أن يحيي الموتى ، وإنّما شكّا أنه : هل يجيبهما إلى ما سألاه؟ وقال أبو سليمان الخطّابي ليس في قول ه «نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم» اعتراف بالشكّ على نفسه ، ولا على إبراهيم ، ولكن فيه نفي الشّكّ عنهما يقول : إذا لم أشكّ أنا في قدرة الله ، على إحياء الموتى ، فإبراهيم أولى ألا يشكّ ، وقال ذلك على سبيل التّواضع ، وهضم النّفس ، فكذلك قوله : «لو لبثت في السّجن طول ما لبث يوسف لأجبت الدّاعي» وفيه إعلام بأنّ المسألة من إبراهيم لم تعرض من جهة الشك ، لكن من قبل زيادة العلم بالعيان ؛ فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٥ ـ ٣٦.
(٣) أخرجه البخاري (٤ / ٢٩٠) كتاب الأنبياء باب قول الله عزوجل ونبئهم رقم (٣٣٧٢) ، (٦ / ٦٧) كتاب التفسير باب سورة البقرة رقم (٤٥٣٧) ومسلم رقم (١٣٣ ، ١٨٣٩) وابن ماجه (٤٠٢٦) وأحمد (٢ / ٣٢٦) والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ١٣٤) والبغوي في «شرح السنة» (١ / ١١٤).