الثاني : قال محمد بن إسحاق ، والقاضي (١) إنّ سببه أنّ إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ في مناظرته مع النّمروذ ، لما قال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) قال الملعون (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) فأطلق محبوسا ، وقتل رجلا ، فقال إبراهيم ليس هذا بإحياء وإماتة ، وإنما الإحياء ، أن [الله] يقصد إلى جسد ميّت فيحييه. فقال له نمروذ : أنت عانيته؟ فلم يقدر أن يقول : نعم ، فقال له نمروذ : قل لربّك حتّى يحيي ، وإلّا قتلتك ، فسأل الله ـ تعالى ـ ذلك.
وقوله : (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) يعني : بنجاتي من القتل ، أو ليطمئنّ قلبي بقوة حجّتي ، وإذا قيل لي : أنت عانيته؟ فأقول : نعم ، وأنّ عدو لي منها إلى غيرها ، ما كان بسبب ضعف تلك الحجّة ، بل بسبب جهل [المستمع].
الثالث : قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والسديّ : إنّ الله تعالى أوحى إليه إنّي متّخذ بشرا خليلا ، فاستعظم إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ذلك ، وقال : إلهي ، ما علامة ذلك؟ فقال تعالى : علامته : أن يحيي الميّت بدعائه فلمّا عظم مقام إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ في مقام العبودية وأداء الرسالة خطر بباله إنّي لعلّي أكون ذلك الخليل فسأل إحياء الميت ، فقال الله : أو لم تؤمن؟ قال : بلى ولكن ليطمئنّ قلبي بأنّي خليل لك (٢).
الرابع : أنه ـ عليهالسلام ـ إنّما سأل ذلك لقومه ؛ لأنّ أتباع الأنبياء كانوا يطالبونهم بأشياء : تارة باطلة وتارة حقة ، كقولهم لموسى (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] فسأل إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ذلك. والمقصود أن يشاهده قومه فيزول الإنكار عنهم.
الخامس : قال ابن الخطيب (٣) ـ رحمهالله ـ : إنّ الأمّة لا يحتاجون إلى العلم بأنّ الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ صادق في ادّعاء الرسالة إلى معجزة تظهر عليه ، فكذلك الرسول ، عن وصول الملك إليه ، وإخباره بأنّ الله بعثه رسولا يحتاج إلى معجزة تظهر على يد ذلك الملك ؛ ليعلم الرسول أنّ ذلك الواصل ملك لا شيطان ، فلا يبعد أن يقال : إنه لمّا جاء الملك إلى إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وأخبره بأن الله بعثك رسولا إلى الخلق طلب المعجزة ، فقال «ربّي أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي» على أنّ الآتي ملك كريم لا شيطان رجيم.
[قال ابن الخطيب (٤) : وعلى قول المتكلمين طلب العلم الضروريّ ، لأنّ الاستدلاليّ مما يتطرق إليه الشكوك ، والشّبهات ، ولعلّه طالع في الصّحف المتقدمة أنّ
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٤.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٤.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٤ ـ ٣٥.