ونقل عن الفرّاء أيضا : أنه قال : «صاره» مقلوب من قولهم : «صراه عن كذا» ، أي: قطعه عنه ، ويقال : صرت الشيء ، فانصار ، أي : انقطع ؛ قالت الخنساء : [البسيط]
١٢١٤ ـ فلو يلاقي الّذي لاقيته حضن |
|
لظلّت الشّمّ منه وهي تنصار (١) |
أي : تنقطع.
قال المبرد : وهذا لا يصحّ ؛ لأنّ كلّ واحد من اللفظين أصل بنفسه فرع على الآخر.
واختلف في هذه اللفظة : هل هي عربية ، أو معرّبة؟ فعن ابن عباس : أنها معرّبة من النّبطية ، وعن أبي الأسود ، أنّها من السّريانية ، والجمهور على أنها عربية ، لا معرّبة.
و «إليك» إن قلنا : إنّ «صرهنّ» بمعنى أملهنّ : تعلّق به ، وإن قلنا : إنه بمعنى : قطّعهنّ ، تعلّق ب «خذ».
ولمّا فسّر أبو البقاء (٢) «فصرهنّ» بمعنى : «أملهنّ» قدّر محذوفا بعده تقديره : فأملهنّ إليك ، ثم قطّعهنّ ، ولمّا فسّره بقطّعهن ـ كما تقدم ـ قدّر محذوفا يتعلّق به «إلى» تقديره : قطّعهنّ بعد أن تميلهنّ إليك. ثم قال : «والأجود عندي أن يكون «إليك» حالا من المفعول المضمر تقديره : فقطّعهنّ مقرّبة إليك ، أو ممالة ، أو نحو ذلك».
وقرأ ابن عباس (٣) ـ رضي الله عنه ـ : «فصرّهنّ» بتشديد الراء ، مع ضم الصاد وكسرها ، من : صرّه يصرّه ، إذا جمعه ؛ إلّا أنّ مجيء المضعّف المتعدّي على يفعل ـ بكسر العين في المضارع ـ قليل.
ونقل أبو البقاء (٤) رحمهالله تعالى عمّن شدّد الراء : أنّ منهم من يضمّها ، ومنهم من بفتحها ، ومنهم من يكسرها ، مثل : «مدّهنّ» فالضمّ على الإتباع ، والفتح للتخفيف ، والكسر على أصل التقاء الساكنين.
قال القرطبي (٥) : قرئ (٦) «صرّهنّ» بفتح الصاد ، وتشديد الراء مكسورة ؛ حكاها المهدوي وغيره عن عكرمة ؛ بمعنى فاحبسهنّ ، من قولهم : «صرّى يصرّي» : إذا حبس ، ومنه الشاة المصرّاة ، قال القرطبي : وهاهنا اعتراض ذكره الماوردي ، وهو أن يقال : كيف أجيب إبراهيم إلى آيات الآخرة دون موسى ـ عليهالسلام ـ في قوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣]؟
__________________
(١) ينظر : الأضداد (٣٧) ، البحر ٢ / ٣١٠ ، الدر المصون ١ / ٦٣٢.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١١.
(٣) انظر : الوجيز ١ / ٣٥٤ ـ بدون نسبة ـ والبحر المحيط ٢ / ٣١١ ، والدر المصون ١ / ٦٣٢.
(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١١.
(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٩٦.
(٦) انظر : المصدر السابق.