وقيل : إنّ الله جعل للملك عليها أمارة ، فهو لا يكتبها.
قال القرطبيّ (١) : وهذا حسن.
والثاني : أن يأتوا بها على وجه يوجب الثّواب ، ثمّ يتبعوها بالمنّ والأذى ، فيزيلوا ثوابها ، وضرب لذلك مثلين :
أحدهما : يطابق الأوّل وهو قوله (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ) ، إذ من المعلوم [أنّ المراد من كونه عمل] هذا باطلا أنّه دخل في الوجود باطلا ، لا أنّه دخل صحيحا ، ثم يزول ؛ لأنّ الكفر مقارن له فيمتنع دخوله صحيحا في الوجود.
والمثال الثاني : وهو الصّفوان الّذي وقع عليه تراب ، ثمّ أصابه وابل فهذا يشهد لتأويل المعتزلة ؛ لأنّه جعل الوابل مزيلا لذلك التّراب بعد وقوع التّراب على الصّفوان ، فكذا هاهنا : يجب أن يكون المنّ والأذى مزيلين للأجر والثّواب بعد حصول استحقاق الأجر.
ويمكن أن يجاب عنه : بأنّا لا نسلّم أنّ المشبه بوقوع التّراب على الصّفوان حصول الأجر للكافر ؛ بل المشبّه بذلك صدور هذا العمل الّذي لو لا كونه مقرونا بالنّيّة الفاسدة ، لكان موجبا لحصول الأجر والثواب ؛ لأنّ التّراب إذا وقع على الصّفوان ، لم يكن ملتصقا به ، ولا غائصا فيه ألبتّة ، بل يكون ذلك الاتّصال كالانفصال ، فهو في مرأى العين متّصل ، وفي الحقيقة منفصل ، فكذا الإنفاق المقرون بالمنّ والأذى ، يرى في الظّاهر أنّه عمل من أعمال البرّ ، وفي الحقيقة ليس كذلك ، فظهر أنّ استدلالهم بهذه ضعيف.
فصل
قال ابن عبّاس قوله (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ) على الله بسبب صدقتكم ، وبالأذى لذلك السّائل (٢).
وقال الباقون : بالمنّ على الفقير وبالأذى للفقير (٣) «كالذي ينفق ماله رئاء النّاس» ؛ لأنّ المنافق ، والمرائي يأتيان بالصّدقة لا لوجه الله ـ تعالى ـ ومن يقرن الصّدقة بالمنّ والأذى ، فقد أتى بتلك الصّدقة لا لوجه الله ـ تعالى ـ أيضا ، إذ لو كان غرضه من تلك الصّدقة طلب مرضاة الله تعالى لما منّ على الفقير ، ولا آذاه ، فثبت اشتراك الصّورتين في كون الصّدقة لم يأت بها لوجه الله ـ تعالى ـ وتقدّم الكلام على الإلقاء.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٠٢.
(٢) انظر : تفسير الرازي (٧ / ٤٧) وتفسير «البحر المحيط» لأبي حيان (٢ / ٢٣١).
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٤٧.