١٠٧١ ـ خذي العفو منّي تستديمي مودّتي |
|
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب (١) |
وقال طاوس (٢) : ما يسر ، والعفو اليسر من كل شيء ، ومنه قول تعالى (خُذِ الْعَفْوَ) [الأعراف : ٩٥] أي الميسور من أخلاق النّاس.
قال ابن الخطيب : ويشبه أن يكون العفو عن الذّنب راجع إلى التّيسير ، والتّسهيل ، قال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «عفوت لكم عن صدقة الخيل ، والرّقيق ، فهاتوا عشر أموالكم» (٣) معناه : التّخفيف بإسقاط زكاة الخيل والرّقيق ، ويقال : أعفى فلان فلانا بحقّه : إذا أوصله إليه من غير إلحاح في المطالبة ، ويقال : أعطاه كذا عفوا صفوا : إذا لم يكدّره عليه بالأذى ، ويقال : خذ من النّاس ما عفي لك ، أي : ما تيسّر ، ومنه قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) [الأعراف : ١٩٩] وجملة التأويل : أنّ الله ـ تعالى ـ أدّب النّاس في الإنفاق ، فقال : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) [الإسراء : ٢٦ ، ٢٧] وقال : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء : ٢٩] وقال : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) [الفرقان : ٦٧] وقال عليه الصّلاة والسّلام : «خير الصّدقة ما أنفقت عن غنى ، ولا تلام على كفاف» (٤).
وعن جابر بن عبد الله قال : بينما نحن عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب فقال : يا رسول الله ؛ خذها صدقة ، فو الله ما أملك غيرها ، فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم أتاه من بين يديه ، فقال : هاتها مغضبا ؛ فأخذها منه ، ثمّ حذفه بها ، لو أصابته لأوجعته ثم قال : «يأتيني أحدكم بماله لا يملك غيره ، ثمّ يتكفّف النّاس ، إنّما الصّدقة عن ظهر غنى ، خذها ، فلا حاجة لنا فيها» (٥). وكان عليه الصّلاة والسّلام يحبس لأهله قوت سنة (٦).
وقال الحكماء (٧) الفضيلة بين طرفي الإفراط والتّفريط.
__________________
(١) ينظر : اللسان (عفا) ، والبحر المحيط ٢ / ١٦٨.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٩٤.
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه البخاري (٧ / ١١٢) كتاب النفقات باب وجوب النفقات رقم (٥٣٥٥) ومسلم (٢ / ٧١٧) كتاب الزكاة : باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة رقم (٩٤ ـ ١٠٣٣ ، ٩٥ ـ ١٠٣٤) والنسائي (٢٥٤٣).
(٥) أخرجه أبو داود (١٦٧٣) والحاكم (١ / ٤١٣) والبيهقي (٤ / ١٥٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٥٤) وزاد نسبته لابن سعد.
(٦) أخرجه البخاري (٩ / ٤١٢) كتاب النفقات : باب حبس الرجل قوت سنة لأهله حديث (٥٣٥٧) ومسلم (٣ / ١٣٧٩) كتاب الجهاد : باب حكم الفيء حديث (٥٠ / ١٧٥٧) من حديث عمر بن الخطاب.
(٧) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٤٢.