وقرأ (١) يعقوب : «يؤت» مبنيا للفاعل ، والفاعل ضمير الله تعالى ، و «من» مفعول مقدم ، و «الحكمة» مفعول ثان ؛ كقولك : «أيّا يعط زيدا درهما أعطه درهما» ويدل لهذه القراءة قراءة الأعمش (٢).
وقال الزمخشريّ : بمعنى «ومن يؤته الله». قال أبو حيان : «إن أراد تفسير المعنى ، فهو صحيح ، وإن أراد الإعراب ، فليس كذلك ؛ إذ ليس ثمّ ضمير نصب محذوف ، بل مفعول «يؤت» من الشرطية المتقدمة». قال شهاب الدين : ويؤيّد تقدير الزمخشري قراءة الأعمش.
قوله : (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) جواب الشرط ، والماضي المقترن بقد ، الواقع جوابا للشرط ، تارة يكون ماضي اللفظ مستقبل المعنى ، كهذه الآية الكريمة ، فهو الجواب حقيقة ، وتارة يكون ماضي اللفظ ، والمعنى نحو : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ) [فاطر : ٤] فهذا ليس جوابا ، بل الجواب محذوف ، أي : فتسلّ ، فقد كذّبت رسل ، وسيأتي له مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
والتنكير في «خيرا» قال الزمخشريّ : يفيد التعظيم ، كأنه قال : فقد أوتي [أيّ] خير كثير». قال أبو حيّان (٣) : وتقديره هكذا ، يؤدي إلى حذف الموصوف ب «أيّ» وإقامة الصفة مقامه ، فإنّ التقدير : فقد أوتي خيرا أي خير كثير ، وحذف «أيّ» الواقعة صفة ، وإقامة المضاف إليها مقامها ، وكذلك وصف ما يضاف إليه «أيّ» الواقعة صفة ، نحو : مررت برجل أيّ رجل كريم ، وكلّ هذا يحتاج في إثباته إلى دليل ، والمحفوظ عن العرب : أنّ «أيّا» الواقعة صفة تضاف إلى ما يماثل الموصوف نحو :
١٢٣٢ ب ـ دعوت امرأ أيّ امرئ فأجابني |
|
وكنت وإيّاه ملاذا وموئلا (٤) |
وقد يحذف المصوف ب «أي» ؛ كقوله : [الطويل]
١٢٣٣ أ ـ إذا حارب الحجّاج أيّ منافق |
|
علاه بسيف كلّما هزّ يقطع (٥) |
تقديره : منافقا أيّ منافق ، وهذا نادر ، وقد تقدم أنّ تقدير الزمخشريّ كذلك ، أعني كونه حذف موصوف «أيّ» كقراءة الأعمش بإثبات «ها» الضمير و «من» في قراءته مبتدأ ، لاشتغال الفعل بمعموله ، وعند من يجوّز الاشتغال في أسماء الشّرط ، والاستفهام ، يجوز في
__________________
(١) انظر : الشواذ ١٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣٤ ، والدر المصون ١ / ٦٤٨ ، وإتحاف فضلاء البشر ١ / ٤٥٥.
(٢) انظر : الشواذ ١٧ ، والتخريجات النحوية ٨٠ ، ٢٧٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣٤ ، والدر المصون ١ / ٦٤٨.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٥٥.
(٤) ينظر : الدرر ١ / ٧٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٩٢ ، البحر المحيط ٢ / ٣٣٥.
(٥) البيت للفرزدق : ينظر ديوانه (٣٦٠) ، والدرر ١ / ٧١ ، همع الهوامع ١ / ٩٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣٥ ، والدر المصون ١ / ٦٤٩.